أنا سياسيٌّ إذَنْ أنَا أبرِّر

آراء 2022/01/25
...

  رعد أطياف
 
في وقت متأخر اكتشفت ثمة حقيقة كانت غائبة عن وعيي، وهي لا يمكن لكثير من الرجال أن يفصحوا عن معادنهم الحقيقية ما لم تكتوِ بنار السلطة. وإن كان الأمر مخجلاً بعض الشيء لرجل كهل استدرك ما فاته بعد هذه التجربة الطويلة ليخرج بهذه الحقيقة البديهية!. ليس ثمة عزاء أكبر من أن يكتشف أحدنا في وقت متأخر حقائق قبل فوات الأوان، فحين تأتي الحقائق صادمة وموجعة فليس لنا سوى سلوة الكتابة، لنفهم على الأقل ماذا يحدث، كما لو أننا في حلم، وبالخصوص عن الفرصة الذهبية التي توفرت لنا لبناء بلدنا طالما وعدنا به السياسيون أنه سيكون "يابان الشرق الأوسط". خصوصاً إذا أضفنا حجم الثروات التي تدفقت بعد سقوط البعث.
 ذلك أن حجم الثروات التي توفرت لسلطة ما بعد 2003 لم تتوفر لا في العهد الجمهوري ولا في العهد الملكي. ويقابلها دمار طال العراق يتفوق على حقبة العهدين!. لكن حجم التبريرات الجاهزة لهذا الفشل تتفوق على تاريخنا السياسي كله!. وبالطبع لا ننكر التحديات الجسيمة التي خلفها لنا تاريخ البعث من ويلات ما زلنا ندفع ثمنها، لكن لا ننكر حجم التبريرات أيضاً، خصوصاً إذا علمنا أنه حتى هذه اللحظة نجهل إن كانت هناك رؤية واضحة المعالم لبناء الدولة العراقية. 
إنَّ العطش إلى السلطة، وهنا يكمن الأسى، هو العنصر الأبرز الذي يميز السياسة العراقية، وهو الدافع الجوهري الذي يحرك السياسي العراقي، وفي هذه الأثناء يتربع العراق على عرش الدول المتخلفة رغم الثروات الطائلة التي يتمتع بها، وبما أننا ننتمي لثقافة سياسية أدمنت التبرير، فمن الصعب الاهتداء إلى جملة مفهومة من أي سياسي عراقي.
كيف يمكننا أن نستوعب هذه الحقيقة: هنا أربعة آلاف حي سكني عشوائي في العراق في بلد يعوم على بحيرة من النفط؟! هذه الأسئلة وغيرها لا تفضي إلى شيء سوى مضاعفة المرارة، فلا بد من بديل آخر نستبدله بهذه الأسئلة المرّة.
أفضل طريقة لمعايشة هذه المرارة هي انتظار التجربة لأقصى حدودها، فثقافتنا السياسية تضمر خزيناً هائلاً من العدوانية تجاه النقد، وبما أن السياسي العراقي سيشعر أن النقد يمس كرامته الشخصية، فمن المرجح أنه لن يفهم، لأنه سيجابه كل هذه الردود بتبريرات أقسى من فعله، الحل الأسلم أن يُساءل شاهده الداخلي، لأن هذا الأخير لن يكذب على الإطلاق. ومن المرجح أيضاً، أنه سيتمرد حتى على شاهده الداخلي!!، خصوصاً إذا كان من طلاب السلطة.