وهج الفلسفة ومدوَّنة الأديب

ثقافة 2022/01/29
...

 ميثم الخزرجي
 
لطالما شغلتني فكرة الكتابة عن مدوّنة الأديب ومنهجيته داخل النص وما تتضمنه من اجتراحات تعضّد من رؤاه ومتبنياته بصورة نستدل من خلالها على نظرته للحياة وإحاطته بمساربها المختلفة، ليكون الدافع الذي من ورائه الإشادة أو الإشارة بمشغل فني يرفده ويدعمه بأسئلة مضيئة وشائكة تثري وتعزز مكانة منجزه الأدبي، فنجده بهمة يحاول أن يخرِجه من خانة تضارب الاستنتاجات الفكرية لطرحها بمتن لا تعوزه العاطفة، وإن كان محملاً ببواطن معرفية ماهيتها السؤال.
الكثير من الأدباء على اختلاف وعيهم وتجنيسهم للمتن الأدبي، حاولوا استثمار الفلسفة ومدخلاتها المكللة بدلالات وتشعبات تعنى بالذهن داخل النص، ليكون العقل هو الجوهر الذي عبره يستحوذ على المجريات العامة والخاصة للمتن، من ثم يكون تكنيك السياق للجملة الأدبية ممنهجاً من ضمن محددات معينة مخفية كانت أم معلنة. 
واقعياً أنا مع تمجيد وإشراك نظريات المعرفة في الأدب واستلال استفهاماتها وتمكين ضروراتها وفق معطيات معينة، لأن النصوص التي توقفت عند تفكيك السؤال الفلسفي محاولة التبشير به، لها من العمر دهر من دون أن تصاب بحالة من الترهّل أو الاِمّحاء.. لكني هنا، أمام محاولة جادة للتمييز ما بين التوظيف الذي ينساب كفّن له مشترطاته ولوازمه مع الاحتفاظ بماهية ومكنون النسق الجدلي الذي يُفرَدُ داخل النص وبين طرح النظرية المعرفية كما هي من دون أن يبادر الأديب بإبادة أو انتزاع الصرامة المتضحة في عمومية السؤال الجدلي، وكأن وظيفة الأدب تتمثل في تحشيد الأسئلة الكونية كما هي، لتصل مثل طرح فكري خالٍ من المشاعر، وهذا ينطبق حتى مع ترويض اللغة وتطويعها، فننشغل بحثاً عن جدواها ومدى توافقيتها ومرونتها في إيصال ما يرومه الأديب.ما الذي يريد قوله الشاعر أو السارد  حيال هذا الطرح؟، وهل من الضروري أن يخرج إلينا من الممرات الضيقة وهو مثقل بمضامين لها خصوصيتها وحيازتها بالسياق المنهجي المعرفي، ليتركنا نضيع بعد ذلك في ممرات أخرى منهكة ولا حاجة إليها. ممرات تحاول أن تجتزئ الكثير من المسلمات المعنية بالأدب، ليكون النص ساحة لتداخل المفاهيم وتشابكها. أين لوعة النص وجمالياته؟، أين وجهته وبوصلته التي تأخذنا نحو المبتغى؟.
إن ما ينتابني للوهلة الأولى إزاء هذا الكم من النصوص هو تجريدها من شمولية الأدب وتصنيفاته، كونها نصوصاً مأزومة، مربكة لا تحتكم لمعايير الجمال ومقوماته الفنية، فهي بعيدة الفهم عن القارئ الذي يستحوذ على فسحة يسيرة للخروج بمحصلة ذوقية، وإن كان تبويب الاسئلة التي تعنى بالإنسان والطبيعة لها فضاؤها الرحب وبعدها الممتد لمسافات غير مكبلة بإحداثيات. لكني أتحدث عن التوظيف داخل الجنس الأدبي لا عن بحث فكري ديالكتيكي ممنهج له لوازمه ودلائله. 
 إن الأديب الذي اغترف من نظريات المعرفة وتوقف عندها وأفرط بوقفته متخذاً من براهينها وعالمها المعبأ بالصخب بغية مشروعه الجمالي من دون أن يطوّع هذه المنحنيات الجدلية لصالح النص قد ألصق لنفسه تهمة الضعف في أدواته، لذلك فهو يحاول أن يتعكز على بواطن المعرفة كوسيلة يخاتل عبره المتلقي أو لعله منفذاً آخر لتمرير حالة الوهن المصاحبة له. 
مما لا شك، أن خلاصة الفعل الذي ينجزه يشكل ضرباً من الوهم، مقتنعاً من خلاله بأنه سوف يسحب المتلقي إلى منطقته ليرتقي به، وكأنه يراهن على مادته من دون 
الدخول في معمعة الجدل الذي يلاحقه، فيأخذه وهج الفلسفة بعيداً ويرميه أديباً مطفأ. 
ومن هنا أتساءل، هل لتوظيف الفلسفة داخل النص حاجة أم هو رهان مضطرب؟، ربما الكثير من النصوص الأدبية الباهظة والمتقدة التي وصلتنا على مر الحضارات وتنوعت جذورها الثقافية استفادت من الحاضنة الفلسفية بكل مراحلها وتقلباتها الفكرية لأنها تمنح دفقاً معنوياً وروحاً مستمرة لا تشيخ، لكن هذا من دون الرجوع إلى مماحكات وسجالات الفلاسفة. إذ إننا إزاء نص جمالي فيه اشتراطات الاستعارة والانزياح والتضمين وغيرها من المقومات المعنية.