الوعي الغائب

آراء 2022/01/29
...

 د. يحيى حسين زامل
على الرغم من كون العديد من الناس على درجة من الوعي والنضج والمعرفة، إلا أننا نفاجأ أنه يجري استغفالهم بكل سهولة في كثير من الأحيان وذلك لغياب الوعي عندهم بشكل مؤقت أو حتى دائم. ويرجع غياب الوعي أو زيفه لأسباب عدة يمكن اجمالها في مجتمعاتنا إلى: أولاً: يجري تزييف الأحداث والوقائع من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي يشتغل عليها بعض المتخصصين بصناعة الرأي العام، ما يحجب الكثير من الحقائق، فتكون ملتبسة ومربكة للوعي البشري. 
ولعل ثانيها: يكون في الانسياق وراء القدوة أو الرمز البشري الذي ينظر إليه بعين القداسة والاحترام، وهذا الانسياق ينزع عنهم سمات شخصية يمتلكونها كانت تحسب لهم، ولكنهم تخلّوا عنها بمجرد انسياقهم نتيجة نظرتهم المقدسة للشخص المنشود، وفي التاريخ أحداث وشخصيات كبيرة وعديدة سقطت نتيجة هذا التقليد الأعمى والمتوارث. 
والثالث: هو الانسياق وراء العقل الجمعي الذي له الأثر البالغ في سلوك الكثير من أبناء المجتمع. وهذا السلوك طالما أوقع الناس بمشكلات ومآسٍ كثيرة، لذلك قد نشهد سقوط شخصيات كبيرة من المثقفين والكتاب وأصحاب الشهادات العلمية في هذا السياق الجمعي، وهذا السقوط الذي سيندم عليه إن رجع اليه وعيه بقية عمره، وإلا هو في ذات غياب الوعي؛ سيستمر بهذا الطريق بشكل أعمى وعلى غير هدى إلى النهاية. 
لقد كتب الأديب العربي «توفيق الحكيم» عن غياب الوعي وعودته في كتابه «عودة الوعي»، وقدم في كتاباته عالما حيا يزخر بالدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع، وقدم رؤيته النقدية للحياة والمجتمع، بعد إن كان هو نفسه ضحية غياب الوعي نتيجة تعاطيه والكثير من الناس وانسياقهم مع السياق الجمعي والاستغلال الرمزي للمقدس الاجتماعي والسياسي، وتراجع وعيهم في مرحلة ما من عقود الثورات والحروب والفتن التي ضربت المجتمع المصري.
ولعل من المهم الإشارة هنا إلى أن عودة الوعي إلى جادته الصحيحة بعد فوات الأوان غير مجد بالمرة، ولكنه بالتأكيد أفضل من المضي قدما في غياب مؤبد، ولنا في هذه التجارب فكرة وخبرة ودرس يجب أن نتعلم منه وألا نكون ضحية من ضحايا الوعي المزيف أو الغائب بشكل وآخر. 
وبالمناسبة فإن الوعي يأتي من خلال المعرفة والحرية والحيادية والاستقلال.