الجسد الوهمي

ثقافة 2022/01/31
...

ابتهال بليبل 
لماذا لا نقول بعض الكلمات عن الروايات التي يكتبها الرجال؟ تلك التي تدفعني للشعور وكأن كُتّابها لم يروا امرأة حقيقية واحدة في حياتهم. وأنهم لا يجدون تصوراً لأجساد الإناث في الأدب إلّا كأشياء جنسية. 
لن يختفي هذا الإفراط في تمثيل دور المرأة في الروايات التي يكتبها الرجال ما دام هناك نُظم أبوية تنظر تجاه الجسد الأنثوي المراد استخدامه (ككائن جنسي) من أجل متعة الذكور.. ربما افتقار الكاتب الرجل إلى فهم المشكلة الفعلية التي تواجه النساء من أسباب استمرار هكذا روايات، إذ دائماً ما يخطئ في تقدير النشاط الجنسي الأنثوي، فيكتب ويُصور وكأنه على دراية بجسد المرأة
وذاتها.
يثير الأداء التفككي للأنوثة الموصوفة أيديولوجياً استياء النسويات اللواتي يركزن على علاقة النص بالجسد الأنثوي، وينطلق هذا الاستياء من فكرة أن الكاتب الذكر يستخدم تقنيات مستترة للسلطة مع الأنوثة، ومحاولة تقديس هذه السلطة عبر نمط هستيري عاطفي يعتمد على ثنائية (اللذة والسخرية).. أتمنّى أن يقتنع الكُتاب أن ما يتم تصويره هنا، هو الجسد الوهمي المحاط بأيديولوجية معيارية للجنس من خلال التمثيلات التي تُرسخ الأساطير الأبوية عن المرأة.   
حقيقة. عندما أقرأ هكذا تصورات، أواجه نية الكاتب خلف السطور، فرسالته التي رتب مفرداتها بين اللذيذ والمقرف وبين الخيال والمنطق هي كما يراها هو، لا كما نراها نحن، أقصد النساء.. القارئات لم يطلبن من الكاتب شيئاً إلا اكتشاف الإنسانية الكاملة لشخصياتهن لا أن تختزل أجسادهن في صور نمطية غريبة في محاولة غير دقيقة لتعبيره عن ولعهن بالرجال.. هكذا تبدو الخيالات الذكورية لكاتب لن تكون عنده أيه فكرة عن المرأة، كاتب لا يعرف رغباتها كيف تظهر ومتى تختفي، حبها أو كرهها، ولا حدادها المدهش في التعامل مع الألم والحزن والخسارة. 
عندما قام أحدهم بتصوير امرأة وهي في حداد على أمها التي فقدتها بحادث مؤسف بعد يومين فقط، كانت تقف أمام المرآة وهي تحدق في جسدها بطريقة لا تخلو من الرغبات الجنسية.. إن المتلقية لترتعد إذا ما عثرت على هكذا مشهد في رواية ما، إنها التنافرات اللا منطقية التي تنتج من ذلك التصوير المخيف لحياة المرأة: تتجاور الهيمنة الذكورية مع الجسدية المرضية، النُظم الأبوية مع التكهن السيميائي لرغبات الأنثى.. كثيرات سيشعرن بالفزع من ذلك بالطبع. ولكن لا حلول غير التوقف عن شراء مثل هذه الروايات أو الترويج لكُتابها، مع العمل الجاد في القضاء على فكرة إضفاء الطابع الجنسي على الشخصيات النسائية في الكتب التي يكتبها الرجال بشكل
مفرط.