امتحان تشكيل الحكومة الجديدة

آراء 2022/01/31
...

  ماهر عبد جودة
 
القلق والترقب والوجوم وحبس الأنفاس، هذا ما اعتدنا أن نراه بعد كل انتخابات تجرى في العراق، فالطعون والاعتراضات على قدم وساق، واتهام كل طرف للاخر بالتزوير هو حديث السياسيين من خلال شاشات الفضائيات، ومنصات التواصل الاجتماعي، وما يتم تداوله في الندوات والمؤتمرات وعلى المستوى الشعبي.
وفي خلال ذلك يبقى الشعب مشدودا ومتحسبا، وكله أملا أن تنفرج المواقف، وتخف التوترات وباسرع ماممكن، لولادة برلمان وحكومة جديدة، بتوجهات وبرامج صادقة وواعدة، وهكذا تمر الأشهر وليس من بصيص أمل في نهاية النفق، وعندما تلوح بشائر الانفراج، ويضع الجميع سيوفهم في اغمادها، تلد حكومة شوهاء، تمثل كل اقطاب السياسة في العراق، وهي انعكاس لذات الأحزاب والكتل، التي سببت كل الأزمات التي يعانيها العراق منذ العام 2003.
وبعد انتفاضة تشرين الشعبية وأحداثها الدامية، التي كشفت بشكل لا يقبل الشك، عن فشل مشروع المحاصصة وأنه ليس الطريق الصواب لدولة ديمقراطية
حديثة.
ولمنع تكرار ما حدث، وقطع الطريق على المتصيدين في الماء العكر، وعشاق الفوضى وخلط الأوراق، فإن البرلمان والحكومة الحالية والسلطة القضائية، عملت بجد على حث الخطى والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وفرت لها كل مستلزمات النجاح لتكون اكثر صدقية في التعبير عن إرادة الجماهير، وأشركت من أجل ذلك الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي كمراقبين حيادين.
فكانت والحمد لله من أكثر الانتخابات نزاهة وأقلها خروقا، واعلنت نتائجها الأولية باسرع ما يمكن وخلال أيام قلائل.
ومع ذلك عادت النغمة المعتادة، من الطعون والاعتراضات، والتشكيك بنزاهة الانتخابات، والدعوة إلى إعادتها بالكامل، ولم تتقبل الكثير من القوى السياسية النتائج المعلنة وبروح رياضية، حفاظا على مصالح الشعب والقيم الوطنية العليا، وأبدى الجميع عدم الاستعداد للذهاب إلى المعارضة، وهو موقع مرموق ومشرف، وصار هاجس الجميع المشاركة في الحكومة والعودة إلى أسلوب التوافق والمحاصصة، من أجل السلطة والمال والنفوذ.
كل الدول الديمقراطية القديمة والحديثة، تنقسم طبقتها السياسية بعد الانتخابات إلى فائز، ويتولى مهمة تشكيل الحكومة، وخسران ويتولى مهمة المعارضة، التي تراقب أداء الحكومة، وتقوم عملها، وتفضح عيوبها واخفاقها، وقد تسهم في اسقاطها والذهاب لانتخابات مبكرة، فحققت تلك البلدان تقدما كبيرا في كل المجالات، وصارت تلحق بركب الدول الديمقراطية المتقدمة، بعد إن كانت إلى عهد قريب دولا فقيرة ومنقسمة، ككوريا الجنوبيه والبرازيل وسنغافورة 
وماليزيا.
على قادتنا التحلي بقدرٍ كافٍ من الوطنية والشعور بالمسؤولية، وعليهم دراسة التجارب السياسية الناجحة لتلك البلدان التي ذكرناها، وأن يضعوا الستراتيجيات الكفيلة بإخراج البلد من كل أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهم أمام امتحان عسير في تشكيل الحكومة الحالية، فهل ينجحون في ذلك الامتحان، ويحققون مطالب الجماهير، ذلك ما نتمناه وما ندعو له، وندعو آلله أن يوفق العراق وقادته وشعبه إلى طريق الحق 
والسداد.