تجليَّات الصورة في وسائل الإقناع

ثقافة 2022/02/05
...

 عبد الغفار العطوي
 
ما هو تطبيق (التيك توك) أو دوين (بالصينية)؟، يعرف بأنه خدمة شبكة اجتماعية لمشاركة الفيديو مملوكة لشركة بايت دانس الصينية، تستخدم منصة الوسائط الاجتماعية لإنشاء  مجموعة متنوعة من المقاطع المرئية القصيرة، من أنواع  مثل الرقص والكوميديا والتعليم، والتي تتراوح مدتها من 3 ثوان إلى ثلاث دقائق، إذاً نفهم إن الصورة التي يوظفها (التيك توك) هي صورة متحركة تلفازية مسجلة بواسطة الفيديو، والملاحظ على هذه الصورة المتحركة إن إنتاجها يتم في نسقين منفصلين تقنياً هما (تيك توك - تيك توك لايف) وعلى أيد غير ماهرة أو محترفة في كثير من العروض، والغاية الأساسية منها أن تكون منصة اجتماعية، وفي الوقت نفسه تعتمد الحساب المدفوع للذين يكون لديهم مقياس المتابعة من الفلوو واللايكات في (ترند) عالي النسبة، مما شكل نوعاً مختلفاً من الخطاب الإشهاري، لا تمتلكه وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى مثل (الفيسبوك  والاستنكرام والإيمو والتويتر واليوتيوب) الخ علماً أن (الفيسبوك) منذ أن أسس عام 2004 غير موقع الشبكة الاجتماعية حياتنا تغييراً عميقاً، (فالفيسبوك) الآن يستخدمه ما يربو على الأربعمئة مليون مستخدم على مستوى العالم، والسمة التي تغري المستخدم لهكذا نوع من وسائل التواصل هو وجود (فيروس الخصوصية) من حيث أن بمقدور المستخدم هذا أن يطلع على جميع أنواع تفاصيل الشخصية الفضائحية التي تخترق، وإن كان وجودها شكلياً، فلم تعد مسألة الخاص والعام ذات أهمية على منصة التواصل إلا وفق قانون المؤسسة المالكة لهذا النوع من الوسائل، وهي نقطة ستقوضها إشهارات الـ (تيك توك) بعد ذلك، عندما تكون الصورة الإشهارية هي بؤرة الخطاب الإشهاري، الذي يعمل على تكوين وسائل متاحة لمسألة الاقناع، فإن كان الخطاب الإشهاري صناعة إعلامية وثقافية نظراً للاهتمام الكبير الذي يحظى به في مختلف المجتمعات الإنسانية، وخاصة المتطورة منها، فإن الحاجة إلى التوافق بين تجليات الصورة وأخلاقيات الإقناع، يحتم دراسة مكونات الصورة الإشهارية، التي يقصد منها الصورة الإعلانية الاخبارية التي تستعمل لإثارة المتلقي ذهنياً ووجدانياً، والتأثير عليه حسياً وحركياً بقصد دفعه لاقتناء بضاعة أو منتج تجاري ما، وبما إن إشهارات (التيك توك) تعتمد على محتوى الصورة المتحركة (الفيديو) بوصفها إشهارية ثقافية، فإن الرابط بين الصورة في تجلياتها المعنوية، وهي تتحول إلى منظومة علاماتية (سيميولوجية) بمختلف أبنيتها اللسانية، والايقونية، البصرية، والتشكيلية، واللونية، إلى حد البروكسميات، وبين وسائل الإقناع التي تبرزها عناصر الصورة سواء السردية أم الصامتة تحددها قواعد أخلاقية ذرائعية محضة (تحت تأثير فلسفة جون ديوي البراجماتية) في عالمنا الذي يهيمن عليه الاستهلاك بكل مظاهره، لهذا يتمثل الخطاب الإشهاري بتبنيه لفكرة الإغراء التي فرضتها الصورة الإشهارية، وهي تلعب دوراً مميزاً في مجموعة من الحالات، خاصة السيميوطيقية، وذلك لما لهذه الصورة الإعلانية من قيمة وأهمية في مجال التسويق وترويج البضائع والاستهلاك، وعلينا أن ننظر أولاً نحو الصورة الصامتة، في مفهومها ومكوناتها، ثم ثانياً نتحدث عن الصورة المتحركة (الدرامية) التي ترتبط بوسائل الاقناع، لأن الازدواجية بين السرديات التي تتحول إليها الصورة الثقافية في التيك توك إلى صورة إشهارية بمقياس الاكسبلور والترند، وبين وسائل الاقناع لللمتابعين (المتلقين) الذين يتعاملون مع الصورة المتحركة (الفيديو) هي التي تمثل القيمة المعيارية لعرض (التيك توك) للمحتوى الثقافي على أنه منحى سيميولوجي، الذي يتهيأ لنقل المفهوم الثقافي للصورة بمختلف أنساقها، إلى مضاربات في قيمة الاقناع الذي يحدده الخطاب الإشهاري، ففي الثقافة ثمة محددات أولية في فلسفتها تعبر عن ماهيتها، أي أن الثقافة هي الإطار النظري لمعتقدات الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه، و(التيك توك) باتجاهه النيوليبرالي العام، وفي منافسة التسويق والاستهلاك، تهدد البنية الثقافية الهشة للمجتمعات بعواصف النقد والانتقاد، من خلال الفصل بين ما تحمله الصورة من نقائض في عدم المراعاة العلمية المنهجية في التكوين والعرض، بسبب أنها مبنية على قناعات الجمهور قبل عملية التقديم، وبين وسائل الاقناع التي تقدمها الصورة التلفازية، وهي محملة مسبقاً بتلك القناعات نحو جمهور آخر قد يختلف عن الجمهور الأول بدرجة يحددها (الترند) لذلك من الضروري أن نبلور مفهوماً خاصاً بالصورة الإشهارية نأخذ على عاتقها الجمع بين مكونات الصورة الإشهارية التي هي بعد فهم من غاية الصورة الاشهارية بوصفها دلالة أساسين من النسق اللساني والايقوني يتصلان بين مرسل ومستقبل في إنتاج تواصلية يعتمدها الخطاب الاشهاري على أنها شكل من أشكال الاغراء والاغواء في مكونات الصورة الاشهارية البصرية واللسانية والايقونية التي تركب على الخطاب الاشهاري ووسائل الاقناع التي تستق من تجليات الصورة الصامتة نظرياً إلى الصورة المتحركة (الفيديو) إنتاجياً وتسويقياً واستهلاكياً، فمقياس الاشهار يقوم على جملة من الحروب الألكترونية والفضائحيات التي تنقلها الصورة الاشهارية من جنبة السكون لغرض قياس الاشهار بالنتيجة نحو جنبة التحرك، على أساس  الدراما أو الحكايات.. الخ، لكن قصر مدة العرض (من 3 ثوان إلى 3 دقائق) يرسخ المفهوم الدرامي في الصورة الاشهارية، ويحولها إلى وسائل اقناع بين جمهورين، السابق في تأييد تصميم الوصلات التي يقر بها كقراءة ثقافية، إلى اللاحق الذي يعتمد القناعات المبنية على كمية (الفلوو واللايكات) في تحميل الصورة الثقافية إلى صورة إشهارية، وهذا يعني نقل المضاربات من الفهم السلعي في عملية التسويق والاستهلاك نحو حروب ألكترونية تعمل على إزالة البنية الثقافية الهشة وتفكيك الروابط المجتمعية والعلائق بين الأفراد، 
وهذه إحدى زوايا النظام الجديد، وقيامه في إقامة كوزوبوليتية عالمية موحدة ذات نظام سسيو اقتصادي يعمل على تشيؤ الكينونة الإنسانية.