علامات مضيئة في الأفق العراقي

آراء 2022/02/05
...

 د. شاكر كتاب
تتصاعد عملية الفرز الوطني في بلادنا في أوساط التيارات الفاعلة والمؤثرة. لكن هذا الفرز يقوم على أساس اصطفافات تكاد تكون حاسمة ونهائية وتوحي بأن لا عودة عنها. تنشطر المعسكرات التي اتخذت طابعا ثابتاً لفترة العقدين الماضيين تقريبا ويتسرب إليها بقوة مجرى الصراع البطيء، لكنه المبشر بالتغيير. هذا التغيير الذي اذا أردنا حدوثه فعلا فعلينا دعمه وتأييد بشائره منذ الآن. 
 
 يتعرض الثلاثي الجاثم على صدر العراق إلى زلزلة تبدو خفيفة لكن بدأت آثارها ومعانيها بالتشكل.
فراحت تتراجع إلى هامش تاريخنا الجاري اليوم أكذوبة المكونات الثلاثة وممثليها المخضرمين. وتنزلق بما لا رجعة عنه لعبة المكونات المذهبية والعنصرية لتغدو ماضيا لا يتذكر منه شعبنا، سوى مآسيه بما فيها الدموية وآثاره الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والحضارية العميقة.
 ما عادت الأحزاب الإسلامية اليوم تمثل الإسلام في العراق بكل طوائفه ومذاهبه، بعد أن تكشفت حقيقة ارتباطها المنفعي بالدين وطقوسه وتمترساتها وراء شعارات خادعة وكاذبة، القصد منها تعميق الانشطار الاجتماعي أملاً في البقاء على تصدر تمثيل هذه الشرائح بذريعة الدفاع عنها وعن وجودها. 
 واللافت للنظر أن هذه القوى لم تتوانَ عن استخدام الخرافات والأساطير في مواصلة خداع الناس واستمرار ربطهم بمصالح بقائها بالسلطة وتكريس احتواء امتيازات هذه السلطة.
نقول اكثر من ذلك. أن من يتتبع نشاط هذا القوى سيكتشف أن بعضها قد ذهب إلى حد اختلاق أكاذيب أسطورية وتأليف خرافات لم نسمع بها في تاريخ مهازل الفكر الخيالي الشعبي المعروف. واللطيف إن بعض هذه المخترعات الخرافية تأتي وليدة ما يسمى في الأدب السياسي بالارتجال.
تخطر على بال المتكلم والخطيب أكذوبة أو سيناريو فيطلقها دونما تريث مستغلاً براءة وثقة المستمع. 
 أقول إن هذه الأفاعيل تكشفت ولو متأخراً. فراحت علامات الصحوة تشق طريقها في داخل كيانات هذه القوى بين تكتل داخلي أو احتجاجات هنا وهناك وانسحابات معلنة وغير معلنة، ووصل البعض منها إلى انشقاقات صريحة. 
 ثم في الجانب المقابل راحت تتبلور قوى وفعاليات مدنية وطنية تطالب بسيادة القانون واستئصال الفساد كظاهرة مدمرة، ومحاسبة الفاسدين وتحميلهم المسؤولية كاملةً عما جرى ويجري لبلادنا وإعادة بناء الدولة ونهضة الاقتصاد بكل معانيه، ورد الاعتبار لمؤسسات الدولة بدلا من العشوائية والفردية واللامنهجية: 
• فلقد هزت ثورة تشرين من الجذور بساتين الشجر الخبيث الذي ما كان يؤتي ثماراً سوى الخراب والدمار. وثورة تشرين رغم جوانب كثيرة أثّرت في مواصلة عطائها، لكنها أنجبت الكثير مما ينبغي توظيفه لاحقا، وأنتجت الأكثر مما يجب استثماره من أجل الشأن الوطني تحديدا ونهضة البلاد واستعادة معاني الحياة في وطننا العراق. 
• هنا ينبغي التوقف. والنظر بشجاعة وجرأة. والدعوة إلى بلورة كل نجاحات الحراكات الوطنية المدنية الديمقراطية في نشاطات جماهيرية موضوعية واقعية بديلة. فلقد انبثقت عن تشرين حراكات عديدة.
أخذ بعضها طابعاً محلياً محافظاتياً.
وهذا ما لا نريده رغم ما قد يكون مفيدا في حالات بعينها دون غيرها. أنا لا أدعو إلى تجميع عشوائي للحراكات التي انبثقت من ثورة تشرين.
لكنني أدعو بإلحاح إلى توحيد عملها ضمن برنامج عمل مشترك والأفضل أن تندمج ببعضها في تجمعات موحدة.
لكن تبقى الصيغة الفضلى للعمل الوطني الفاعل هي تلك التي تقوم على أساس التعاون والتنسيق العضوي بين القوى الوطنية المدنية النزيهة وبين حراكات تشرين الواعية والمنظمة.
وعلينا أيضا الانتباه إلى المظاهر السلبية التي لازمت ثورة تشرين ورافقت فعالياتها.
وعلى وجه الخصوص الفجوات بين تشرين والقوى الوطنية، الأمر الذي حال دون التنسيق بينها والتعاون.
• ومن المؤشرات المهمة التي ينبغي إضافتها إلى رصيد نهوض الحراك الوطني الصاعد هي ما تحقق في الآونة الأخيرة من مؤتمرات وطنية، كان لها صداها وحققت مخرجات إيجابية تقتضي المصلحة الوطنية العليا الحرص الشديد ليس فقط على التمسك بها بل وأيضا العمل المتواصل من أجل تحقيقها. 
• فقد عقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره الوطني الحادي عشر في قلب العاصمة بغداد، وشخصت وثائقه الأساسية واقع البلاد ومعاناة الشعب وجاءت بمخرجات واقعية ضرورية لها تأثيرها في شد أزر العمل الوطني ورسم توجهاته اللاحقة، ويكفي في ذلك مراجعة وثيقته البرامجية « قدما نحو التغيير « والتي يمكن عدها بخارطة طريق إيجابية ومبشرة. 
• من جهة أخرى عقد الشباب المدني وبرعاية ودعم من التيار الاجتماعي الديمقراطي مؤتمرا تحفيزيا واسعا، عكس مستوىً نوعيا صاعدا يوحي بمستقبل رائع إذا ما أحسن احتواء هذه الجهود واستثمارها من أجل الإسهام في تنظيم الشباب وزج طاقاتهم فعليا في مشروع وطني بنّاء، يهدف إلى توحيد قوى النهضة الوطنية في عمل منتج ومثمر يكون بداية للتغيير الحقيقي المنشود. 
•وتتصاعد كذلك نشاطات التيار الديمقراطي العراقي الذي راحت فروعه العديدة في أغلب محافظات العراق تعقد مؤتمراتها المحلية منذ عدة أشهر للتهيئة للمؤتمر الوطني العام، الذي عقد يوم التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني 2022 والذي استطاع أن يرسم الطريق أمام القوى المتحالفة فيه لمنهاج وطني أوسع وتأثير أكبر وفاعل في المشهد السياسي ليتحول إلى رقم هام في المشهد السياسي العراقي. 
• كما أن الآفاق التي يخطها المجلس التشاوري والأهداف التي يضعها لنفسه والفعاليات، التي قام بها رغم قصر عمره توحي بتقدم ليس هيّناً سيتحقق في نشاطه وتأثيره في التعاون بين قواه الوطنية والديمقراطية من جهة والفصائل السياسية التي انبثقت من حراك تشرين الكبير من أخرى.
ونتمنى فعلا أن يستمر المجلس في معالجات الشأن الجماهيري المباشر ليكون الحلقة الفاعلة في الربط اليومي بين القوى الوطنية المدنية والديمقراطية والحراك الشعبي بجميع أطيافه سواء منها ما انبثق من تشرين أو ما تلجأ إليه المنظمات المهنية والنقابات واتحاداتها.
 يظن البعض أن الصراع بين طرفي المشهد السياسي العراقي اليوم - والمشار إليهما في ما تقدم من حديث - غير متناسب نظرا لما تملكه القوى المتحكمة من إمكانيات مادية هائلة، تتمثل بالمال والسلاح والإعلام في مقابل الشعب وقواه الوطنية والديمقراطية تخلو تماما من عناصر القوة التي تملكها أطراف السلطة.
لا أنوي أبدا أن أتكلم هنا بلغة الشعر والعواطف، لكن التاريخ علمنا أن من يحسب أن عناصر القوة تكمن في السلاح والمال لا غير فهو واهم.
الشعوب هي صاحبة الأرض ما فيها وما عليها. وهذا القانون الوطني العادل يحتاج إلى تفعيل كي تكون زمام المبادرة بيد الشعب وقواه الوطنية ويكون هو صاحب القرار ويحدد مصيره بنفسه.
وأحداث ثورة تشرين ومخرجاتها أثبتت أن السلاح والمال هما آخر ما يحتاجه الشعب لاسترداد حقوقه.
والآن يأتي دور القوى السياسية الوطنية الواعية التي ينبغي أن تؤدي دورها في هذا المضمار. 
« نحن ننهض وينهض معنا العراق»