التأصيل لـ {الحياة السياسية}

آراء 2022/02/07
...

  د. عمار صالح البهادلي
 
يزدحم القاموس السياسي بالمفردات والمصطلحات السياسية، بعضها نستطيع الاستدلال عليه وآخر يحتاج التاصيل لعمقه النظري. والوقوف على مصطلح الحياة السياسية يبدو للوهلة الأولى كأنه سائب بحاجة الى تتبع مسار انبعاثه وما اذا كان قديما ام حديثا، واي المدارس التي ساقت هذه اللفظة، وما هو مفهومها النظري ودلالاته 
الواقعية؟.
كثيرة هي الاتجاهات التي تعنى بدراسة وتحليل النظم السياسية، منها ما يركز على منهج التحليل كالاتجاه (القانوني) وآخر على أدوات التحليل كالاتجاه (الاتصالي) وثالث على مادة التحليل، كالاتجاه (النسقي) الذي انبثق منه مصطلح (الحياة السياسية)، اذ ما زال هذا الاتجاه هو الغالب في تحليل النظم السياسية في الولايات المتحدة الاميركية، بالرغم من ان بدايات بزوغه تعود الى (ديفد ايستون)، الذي يعتبر رائد هذا الاتجاه، الا أن (آرثر بنتلي) يعد إمام (النسق السياسي) الذي يركز على الطابع الديناميكي للنظام السياسي، حيث أكد في كتابه (عملية الحكم-  1908) “ان دراسة النظم السياسية لا تعني دراسة الأفكار السياسية والمؤسسات الدستورية لانها ليست الا تعبيراً صادقاً عن مصالح الجماعات المتصارعة، وأن الحكومة عنده لا تعدو أن تكون في حقيقتها مجرد جماعة يصدر عنها نشاطات
سياسية”. 
ومن هذا المنطلق فإن مصطلح الحياة السياسية يراد به المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية التي تلعب دوراً فعلياً في المجتمعات الديمقراطية، وتشارك في عملية صنع القرار السياسي كالاحزاب السياسية وجماعات الضغط والتي يصطلح الفقه السياسي على تسميتها (المنظمات السياسية)، أي أنها القوى غير الرسمية المؤثرة في صنع القرار وتمثل عناصر فعالة مع مؤسسات الدولة الرسمية وتشكل معها مجتمعة (النظام السياسي). 
فعبارة الحياة السياسية التي تعد الوريث الشرعي للنسق السياسي، لا تعني أكثر من مجرد التعبير عن تصور أصحاب هذا الاتجاه (لديناميكية العلاقة) بين المؤسسات السياسية الرسمية، وبين قوى مجتمعها اللارسمية متفاعلة في ما بينها، وهذا التصور كان وراء التسمية التي شاعت اخيراً لمفردة (الحياة السياسية).
يبدو أن بدايات القرن العشرين انتجت اتجاه النسق السياسي الذي تمخضت عنه لفظة (الحياة السياسية)، مما يعزز فكرة حداثة هذا المصطلح، الذي أريد منه سياق يتحقق به اتزان الأدوار ما بين القوى الرسمية والقوى اللارسمية (الفعلية) في عملية صنع القرار السياسي، وعليه يستخدم النسق السياسي كأدة تحليلية لفهم نشاطات السياسة بشكل واقعي ومن منطلقاتها الديناميكية.
وهذا ما دفع (ايستون) الى القول بأن الحياة السياسية تعني “عالم قوى المجتمع الوطني الرسمي واللارسمي دونما تمييز، وهي تتفاعل في ما بينها تفاعلاً يكون من شانه تحقيق حالة الاتزان له”.  وبناء على ما تقدم نستنتج الولادة الحديثة لمصطلح الحياة السياسية من رحم المنهج النسقي في المجتمعات (الليبرالية)، التي تشهد حضوراً فاعلاً ومؤثرا للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن جماعات الضغط التي يصطلح عليها (المنظمات) في قبالة المؤسسات السياسية الرسمية (التشريعية، التنفيذية، 
القضائية).