أحمد عبد الحسين
في تَوصيف الحراك الدائر الآن بين الكتل السياسية، يخطئ مَنْ يرى أنه مجرد تغالب على المغانم وحسب. صحيح أن السياسة عندنا في العراق كانتْ منذ التغيير وحتى اليوم تزاحماً لحيازة أكبر قدر من المناصب وبالتالي المكاسب التي تأتي بها تلكم المناصب، وقد اعترف كثير من الساسة صراحة بذلك. هناك نائبة قالت بالفم الملآن إنّنا "تقاسمنا كعكة العراق معاً وكلّنا مستفيدون من هذا الوضع"، رئيس كتلة سياسية قال مرة أمام جمع كبير "كلّنا أكلنا من مائدة المحاصصة ووجدناها طيبة فلا يأتِ لنا أحد الان مدعياً أن الأكلة سببت له المغص".
هذا صحيح ومعلوم من قبل العراقيين جميعاً، إذ لا فرق يذكر بين التجارة والإمارة في عراق اليوم، لكنّ ما بعد تشرين الاحتجاج وتشرين الانتخاب ليس كما قبلهما. جوهر الصراع الآن بين عقليتين متمايزتين:
الأولى تريد إبقاء الوضع كما كان، أيْ صراعاً بين مكوّنات يديره ممثلو هذه المكوّنات الذين يضعون قدماً في القداسة التي تجلب رأسمالاً رمزياً كبيراً، وقدماً أخرى في مستنقع الدنيا الدنيّة الفانية التي تجلب لهم رأسمالاً مادياً لهم ولأبنائهم وأقربائهم وهو رأسمال يتعاظم وتتعاظم
معه مأساة المواطنين.
العقلية الثانية هي التي تنشئ الآن خطاباً يريد المضيّ بالصراع إلى وجهة أخرى، وجعله صراعاً سياسياً حقاً لا مجرد مناكفات صغرى بين تجّار يستولون على الدين والدنيا معاً.
العقلية الثانية لم تستكمل أدواتها بعدُ، وقوى كبيرة داخلية وخارجية تقف بالضدّ منها. وإذا انقشع الغبار عن حكومة وحدة وطنية وبرلمان تتمايز فيهما المعارضة عن الموالاة فإنّ نصراً كبيراً ستحرزه هذه العقلية الجديدة التي تشق طريقها ببطء ومشقة لكن بثقة أكيدة من أن الزمن في صالحها لا في صالح أباطرة المكوّنات.