في سرود الكتابة لمحمد خضير.. التفكك التاريخي في الرواية

ثقافة 2022/02/09
...

  باسم عبدالحميد حمودي
 
يجمع كتاب (الحديقة في الصيف) للأستاذ محمد خضير الصادر حديثا عن دار أهوار مجموعة من مقالاته في السرد التي تحلل بصوت عال متعة الاكتشاف الدائم لهويات السرود المتعددة، وفي مقالته (سرود الكتابة الأساسية) يقدم السارد البصري الكبير دروساً في تنويعات الساردين عبر:
1.سرد الاحلام و2 - سرد العشب و3- سرد التخلي و4 - سرد الجدار و5 - سرد المرض و6 - سرد الجسر، فضلا عن موضوعات عدة عن السرد والحقيقة وأنطقة السرد وغير ذلك من موضوعات تتعلق بمجاورة السرد عبر لذة الاكتشاف والدهشة المستمرين عبر عقل منهجي يحاور كل (الحقائق) السردية مدعوما بذاكرة ممتازة كاشفة لحركات السرد وتفرعاته كوجدان ذهني مدوّن.
في فقرة (سرد الجدار) التي تقترح سقوط جدار برلين مفازة تغيير شامل على الحضارة الانسانية في وقت ينهار فيه الحلم العربي وثورته المفترضة الغائبة بفعل قوى التغيير حيث ينحشر الروائيون العرب تحت اسنان طاحونة التغيير التي عارضها بداية غونتر غراس في اصداره عملا سرديا معارضا لوحدة 
الألمانيتين.
ويجد محمد خضير مقدمات الانهيار المفترض عربيا في روايات تعايشت مع أحلام الخراب 
الوحدوي.
هذه الروايات غير العراقية شككت بمنهجية السلوك السياسي للقادة من خلال نماذج لم تذكر اسما لكنها ذكرت حضورا ليتعايش الروائي مع سلوك الحاكم الدكتاتور الذي يريد بناء مجده عبر تحطيم (مجد) الفرد العربي وحريته الشخصية.
كانت (أكذوبة) الوحدة دافعا للقتل والتدمير وصراع  المناهج والسياسات وتشظي الحرية الفردية عبر صراعات الحكام.
(فشل المشروع القومي الوحدوي بنسخته الناصرية) تجسد في روايات الروائيين الطاهر وطار في (الزمن الحراشي) وهاني الراهب في (المهزومون) و(الف ليلة وليلتان) واسماعيل فهد اسماعيل في (الشياح) وسواها من روايات، وكان الأكثر إيلاما لنا في العراق كشوفات اسماعيل فهد اسماعيل في روايتيه (في حضرة العنقاء والخل الوفي) و(السبيليات) عن الآثار المدمرة لوهم الوحدة القسرية في محاولة حاكم العراق ابتلاع دولة عربية جارة، في وقت يقدم فيه الليبي ابراهيم الكوني مشهد الموات الدائم في صحرائه المفترضة عبر موات الحضارة بسبب تخليها عن الانسانية عبر روايته (الشرخ).
ويجد محمد خضير في الروائيين العراقيين القدرة –أكثر من غيرهم – لتسريد الرؤيا ومواجهة العالم بنوع من السرد المناعي على أيدي (أحمد سعداوي وبرهان شاوي ونصيف فلك وجمال حسين ووارد السالم يمكن جمع متلازمته تحت مصطلح الفانتازيا البغدادية).
وإذ يستمر محمد خضير في تنويعاته عن السرد المناعي الكاشف الذي يتماهى مع الواقع ويشظيه، نجد هنا أن وقوف الروائي مع مجتمعه عبر تقديم ما حصل واقعيا عبر رؤيا فنية تشتعل ألما وقدرة وصفية مثل روايات (الذئاب على الأبواب) لأحمد خلف و (قتلة) لضياء الخالدي و(عذراء سنجار) لوارد بدر السالم- واعترافات رجل مهم) لناطق خلوصي.
سرد الأحلام هنا يتماهى مع سرد الجدار الذي بني ليفصل بين حياة وموات، بين سحر السرد وظلامية الواقع المعاش.
لسنا هنا في النهاية بحاجة الى ايراد أمثلة سردية تطبيقية  كثيرة لأمثولات السارد الكبير محمد خضير الذي ندين له بكل هذه المشاغلة في الاستذكار والتأويل لكننا بحاجة الى مراجعة شاملة لما هو مدوّن؛ لنستجلي منها مهارات محمد خضير في الإشارات الممنهجة والـتأويل المقنع الذي يستنهض لدينا كل ممكنات التحدي النظري استنادا الى استجابة فكرية ممنهجة.