كيف غيَّرت الكتبُ حياة المثقفين؟

ثقافة 2022/02/09
...

 استطلاع: صلاح السيلاوي

عن هذا الأثر نتساءل، عن الكتب التي تغير في الناس ذواتاً، تصنع بساتين من الأمل، تقرّبُ الناس من الجمال وتبعدهم عن الموت ومفاهيمه وصناعه. عن أهم الكتب التي قرأها المثقف وصنعت واقعاً مهماً في حياته، عن مضامينها وفعلها في تغيير نظرته للأشياء، عن رأيه  في واقع الكتاب ومركزيته في حياة الإنسان الآن؟ هنا يمكن أن نجد وثيقة لتأثير الكتاب في حياة المنشغلين فيه. 

الاستشراق ثريا البدايات 
الباحث الدكتور حسن عبيد عيسى يرى أن كتاب الاستشراق لادوارد سعيد.. أثر في حياته كثيراً، ففي ثمانينيات القرن الماضي كان طالبا في كلية الأركان وزار معرض بغداد الدولي للكتاب ليقع أمام ناظريه هذا الكتاب، مشيرا إلى أن الفضول حينها دفعه لاقتنائه.. ولكنه بعد أن تفرغ لقراءته فتح أمامه طريقا نحو عالم واسع هو الاستشراق على حد وصفه.
وأضاف عيسى قائلا: هناك تعرفت على أساطين هذا العالم ومنهم نولدكه وكولدسيهر ولويس ماسنيون وبرنارد لويس وكراتشكوفسكي وسواهم من كبار المستشرقين الذين انتجوا عشرات آلاف من الكتب التي تجعل مشرقنا مفتوحا على مصراعيه للناظر الغربي.. لقد أخذ الاستشراق يتعملق في ذهني حتى رأيت أن من واجبي كمثقف أن أرد على بعض ما خرجوا به خصوصا ما يسيء إلى ديننا وأمتنا.. لذا كان هذا الحيز البحثي هو مادتي الأساس في عدد كبير من المؤتمرات التي أسهمت فيها باحثا.. هناك طرحت مواضيع حازت على إعجاب الزملاء المشاركين. 
وفي مجال التأليف ألفت كتابا عن برنارد لويس تناولت فيه منهجه البحثي وأهدافه. وألفت بالاشتراك مع زوجتي أ.د. زينب علي عبد كتابا من جزئين عنوانه (رؤى استشراقية). ولقد كنت سعيدا جدا وأنا أراها تختار موضوعا استشراقيا لأطروحتها للدكتوراه هو (مفهوم الإمامة في كتاب عقيدة الشيعة لدوايت دونالدسن)، بينما في أدراج منضدتي اوراق كثيرة انتظر سنوح الفرصة لتحويلها إلى كتب في الموضوع ذاته.. لذا أرى أن كتاب الاستشراق كان له تأثير عميق علي ما جعلني أضعه قريبا مني حيثما كنت.
لقد وجدتني في ما بعد أتسقط كل ما يخص الاستشراق من كتب ودراسات ورسائل وأطاريح.. سواء من مكتباتنا التجارية او معارض الكتب أو خلال رحلاتي لخارج البلد.. مما يجعلني أعتقد أن مكتبتي تضم كما نادرا من هذه المصادر قد لا يتيسر في مكتبات خاصة أخرى.. ومن نافلة القول أذكر هنا أنني كنت أبحث عن كل ما كتب ادوارد سعيد كون كل المجالات التي تناولها تقع ضمن اهتمامي وكذلك ما كتبه عنه الآخرون. 
 
كتبٌ صانعة 
الناقد زهير الجبوري أشار إلى تأثير بعض المؤلفات في حياته عبر قراءاته المبكرة منذ فترة الصبا والشباب الأول، ومنها كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) للمؤلف (ديل كارنيجي) الذي يتناول الجوانب النفسية للإنسان والمبدع معا، فيما لفت إلى تأثير كتاب (نهج البلاغة) للإمام علي ابن أبي طالب (ع) أيام الدراسة الجامعية حيث كانت قراءته من الضرورات الدراسية بوصفه مادة منهجية، فكان له تأثير مباشر في تنوير العقل، لذا شكل مرحلة مهمة من مراحل النضج في التلقي على حد تعبيره.
وقال الجبوري أيضا: ولأني أمارس كتابة النقد، فما كان عليّ سوى متابعة وقراءة الكتب النقدية والتركيز على الحديثة منها، وفي السنوات الأخيرة كان كتاب (سياسة ما بعد الحداثية) للمؤلفة (ليندا هايتشون) له الأثر الكبير في قراءة الأدب قراءة مختلفة لما يحمله من توصلات جديدة في النقد الأدبي وكيفية الإمساك على المفاهيم الحديثة في الفكر الفلسفي الجديد والانفتاح على التوصلات المعنونة في ما يسمى بـ (ما بعد البنيوية) والتي تأخذ جوانب (ما بعد الحداثية)، وكيف أن مفهوم الحداثة يعني في حقيقته التعريف له، وان مفهوم ما بعد الحداثية هو الخوض في الجانب الإجرائي لما بعد الحداثية، والتوصل لهذا المفهوم يعني التوصل الى معنى التشخيص الدقيق لحياة العولمة التي تأخذ الجانب التنظيري الى ميدان عملي، وقد انطوى على حقائق نعيشها جميعا، لهذا لم يكن الكتاب المعرفي مجرد غذاء للمخيلة بقدر ما يطرق تفاصيل معاشة تمس حياتنا بشكل مباشر، ولعل الملاحقات الراكزة في (النقد الثقافي) وطبيعة دراسة الأنساق المعلنة وغير المعلنة، هي جزء مؤثر في ذلك، بل غيرت طريقة القراءة والتفكير تماهيا مع العصر وتحولاته، لذا هذا الكتاب نقطة اضاءة في اضافة الكثير من المفاهيم الثقافية.
 
تغيير مفاهيم حياتي 
الشاعر كفاح وتوت قال: لقد غيّرَ الكتابُ مفاهيم حياتي، ففي مقتبل شبابي كان انطلاقي في مجالات الرسم والمسرح والشعر نتيجة لقراءة عدد من الكتب المتنوعة في الدين والفلسفة والفن والأدب والتأثر بها والاستمرار بممارسة الهوايات من حيث لا أدري، فتراني متنوعا إذ بدأت بالرسم ثم المسرح وكتابة القصائد وهذا كان في بداية عام 1969 ومن الكتب التي تأثرت بها الى حد ما هو كتاب (طاغور) تعريب (يوحنا قمير) والصادر عن دار المشرق- بيروت سنة 1967 بمناسبة مرور 25 عاما على وفاته.
احتوى الكتاب على نبذة عن حياة الشاعر الفيلسوف والفنان وعلاقته السياسية والاجتماعية، إذ كان يختلف عن غاندي في آرائه ويؤمن بضرورة الاستفادة من خبرات الغرب بدلا من أن يعيش الشعب في متاعب لا تنتهي باعتماده على أفكار غاندي التي تدعو الى الاعتماد على النفس والاكتفاء الذاتي بالعمل وغزل الملابس في الظروف العصيبة تحديا للغرب، وأن طاغور اهتم بغزل القصائد والمسرح والفنون الرسم والمسرح وأضاف بقوله: احتوى الكتاب ايضا على مجموعة رائعة من كتاباته الادبية في المسرح والشعر والخواطر هذه الكتابات التي تميزت بالاهتمام بالطبيعة وحب الله والاتجاه الصوفي.
وتميزت بالشفافية والخيال الواسع والتنوع وللشاعر طاغور قدرة فائقة على توظيف أفكاره شعريا ومسرحيا وفي الرسم ايضا وتحويل الألم الى تفاؤل وفرح وتميز ايضا ببساطة المفردة وعمقها الفكري والفلسفي كل ذلك ومن دون تخطيط أجد نفسي وأنا أميل الى بعض من أفكاره واهتماماته المتنوعة، فمارست العمل في المسرح والسينما والاهتمام بالصورة وبالفكرة المؤثرة العميقة في مجال الكتابة المسرحية أو الشعرية وببساطة المفردة وعمقها الفكري.
الكتاب كان يؤثر في العالم سابقا، اما في الوقت الحاضر فهناك عزوف عن الكتاب لأسباب كثيرة وفي كل الاحوال فإن الكتاب وأي وسيلة ثقافية أخرى لها تأثير على الأنسان تراكميا أي بمعنى ان الثقافة أية ثقافة بمرور الزمن ومن خلال القراءة وغيرها يمكن أن تحدد معالم وثقافة أي مجتمع من المجتمعات.