شبكات التواصل الاجتماعي والأمن الوطني

آراء 2022/02/12
...

 نسيب شمس
 
تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فلم تعد تقتصر على كونها نافذة للتواصل بين الأفراد، وإنما باتت تشكل أهم أدوات التأثير في صناعة الرأي العام وتشكيله وتنشئة الشباب وتثقيفه سياسياً، بل وينظر إليها البعض على أنها يمكن أن تقود حركة التغيير في العالم العربي. لكنها في المقابل باتت منصة مثالية للجماعات المتطرفة 
والإرهابية .
التزايد المستمر في أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي وحسب التقرير الصادر عن مؤسسة هوتسويت الكندية عن العالم الرقمي للعام 2019، فقد وصل عدد مستخدمي مواقع التواصل 136.1 مليون شخص أي نحو 53 % من عدد سكان الدول العربية.
إن شبكات التواصل الاجتماعي لها قدرة على التأثير في الرأي العام إذ تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الأفكار والآراء المتعلقة بقضية معينة لعدد كبير من الأشخاص في مناطق مختلفة من العالم، وتتيح بذلك المجال لبلورة رأي عام دولي مساند لبعض القضايا، وهو الأمر الذي ينتج عنه تغيير إيجابي في بعض مناحي الحياة، غير أنها في المقابل قد تقع في فخ التضليل الإعلامي والتأثير السلبي في الرأي العام، حينما يتم توظيفها بهدف تغيير قناعات أفراد المجتمع في دولة ما في اتجاه معين، وخاصة أثناء الانتخابات أو التصويت على قضايا مصيرية ترتبط بمستقبل هذه الدولة.
تشكل وسائل التواصل الاجتماعي نقلة نوعية في عالم الإعلام الرقمي فقد جعلت من العالم قرية متواصلة، خاصة أنها تسمح بإنشاء المحتــوى الإلكتروني وتبــادله (نصــوص، صــور، فيديوهات، إلخ…) عبر الإنترنت، وتتيح نافذة مهمة للتفاعل بين الأفراد، ولهذا يصفها البعض بأنها تشكل “إعلام العولمة” الذي لا يلتزم بالحدود الوطنية للدول، وإنما يطرح حدوداً افتراضية غير مرئية، ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية، لتقديم عالم من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن، وهذا ما جعل هذا الإعلام أكثر تأثيراً في سلوك الأفراد، وفي تكوين اتجاهاتهم وتعديلها، وتشكيل أفكارهم وتوليدها. كما يتسم هذا الإعلام “المعولم” كذلك بخاصية المجانية، فلا تحتاج الدعوة إلى نشاط معين في الفيسبوك إلى إمكانات مادية، فيكفي الاشتراك في الموقع، وبالتالي تأسيس مجموعة أو عدة مجموعات تتبنى مبادئ أو أفكار 
بعينها.
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد أدارة للترفيه وتحقيق التواصل بين الأفراد، بل ظهر لها وجه آخر قبيح حيث تحولت هذه الوسائل إلى ساحة خلفية لممارسة نوع جديد من الحروب، هي بالأساس من حروب أفكار. ووجهت الفرد افي الاتجاه نحو التطرف والكراهية، وأصبح للسوشيال ميديا أقوى أسلحة تقويض المجتمعات. وطرحت عدة اشكاليات، ولعل أبرزها الاشكالية الأمنية، خاصة وأن عماد شبكات التواصل الاجتماعي هو الثرثرة والهمس والنكات والدعاية والتأويلات والتنبوء بالأحداث المقبلة وتداول
 الاشاعات.
أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي قنوات متعددة لتوجيه الرأي العام الداخلي تجاه القضايا المختلفة تبعًا لما يتوافق مع جماعات المصالح، بالإضافة الى انها وفرت نماذج متعددة من المداولة والنقاش حول قضايا الشأن العام، وسمحت للنخب السياسية والاجتماعية تجاوز فكرة تغيبها في المجال العمومي التقليدي الذي تسيطر عليه الدولة.
وأخيرا لا يخفى على أحد الجوانب الإيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي أبرزها اسهامها في تطور قطاع ريادة الأعمال ونمو الاقتصاد من خلال تواصل العنصر البشري واتصال الثقافات والأفكار والانتقال حول العالم من خلال التقنيات والتكنولوجيا. ولذلك يتوجب العمل على مواجهة سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، ولن يكون ذلك بغير الوعي والتعمق في المعالجات بما يناسب ويخدم مصالح الشعوب عامة.
 
كاتب وباحث لبناني