المفرقعات الإعلاميَّة

آراء 2022/02/12
...

 ابراهيم سبتي
كل بلاد الدنيا يحدث فيها ما يحدث، فبعضها تتناقله وكالات الأخبار وبعضها الآخر تهمله وتتناساه، لأنه ربما لا يصب في مصلحتها ولا يثير لعابها. في العراق الأمر يختلف، فكلما يحدث شيء في السياسة خاصة وفي الشؤون الأخرى عامة، ترى وكالات الأخبار الاقليمية والدولية، المرئية والسمعية والمقروءة
تتسابق لنشره وتحليله وغالبا ما يتمُّ تضخيمه والإمعان فيه شرحا وتهويلا من قبل المحللين والخبراء والمتابعين، الذين يتقاضون المبالغ الطائلة لقاء خدماتهم الدائمة في تناول الشأن العراقي. حتى باتت بعض القنوات لا تذيع نشراتها الإخبارية من دون تطعيمها بالأخبار عمّا يحدث في العراق وتعظيمه حد الفجيعة واليأس والوصول بالمتلقي الى حالة من فقدان الامل تماما. إنها لعبة الاعلام الموجه وفقا لبلوغ عصر التقنية المعلوماتية تطورا هائلا والتي صارت تتحكم بالصورة والحدث والمقابلات المباشرة وزيادة كمية الرتوش وحجم التزويق ليبدو المشهد مقنعا. نحن لا نقول بأن البلاد صافية حد البياض في الوضع السياسي العام ولا ندعي بأن الفساد لم يضرب عصب الدولة ومرافقها، ولا نقول بأن جميع الاطراف يتفقون على صيغة واحدة للخروج من المأزق، إنما هي أحداث سرنا عليها منذ العام 2003 وحتى اليوم ونتوق دائما لرؤية تصحيح واضح في مسار العملية السياسية. ولكن الأمر الذي ينغص حياة المواطن ويقلب تطلعاته ويفقده الامل، هو ما تبثه بعض الوكالات من تضخيم لمجريات الامور التي باتت تؤرق وتجعل الدنيا اكثر قتامة وسوادا. إن عالم السياسة عالم غريب الاطوار، فقد علمتنا التجربة بأنه لا توجد خصومات فيها ولا تقاطعات، انما توجد مصالح واتفاقات وهو الشيء الذي تعودنا عليه طيلة ما سبق. ولكن أن تصل الامور حد التضخيم والتعظيم وفقدان الرجاء من قبل بعض القنوات، فهذا امر لا يمكن أن يهضمه عقل المتلقي الحصيف بسهولة ويسر، فثمة أمل دائما مهما بلغت ذروة الانغلاق واليأس، وثمة شعاع في كبد السماء مهما كان الظلام سائدا في نظر تلك الأخبار. إنها رحلة أجيال توثقها حياتهم وهم يعيشون اللحظة الراهنة وفق اساليب ومعطيات الأخذ والعطاء في السياسة. وهي التي تنقلب أحداثها في ساعة غير محسوبة ولا متوقعة، فتصير الأمور كالربيع المزهر بعد أن كادت توصلنا الى مهاوي اليأس. اذن هي لعبة الاعلام الذي يوصنا احيانا الى العطش ونحن نقف على ضفة الماء العذب ويوصلنا احيانا اخرى الى السعادة الزائفة ونحن نمر بأوقات عصيبة. وكي نفهم الخطاب الموجه من قبل بعض الوكالات المهتمة بالشأن العراقي، فهي باتت لا تؤثر عند سماعها او رؤيتها لأن المصائب لا تحتاج أن نتابع قناة او وكالة، ولأنها ستصل حتما الى رؤوسنا المصدوعة من كثرة الاقاويل واحاديث الناس المستمرة . نأمل أن يكون الوضع السياسي العراقي متوجها نحو خدمة الناس، الذين سيهتمون كثيرا بكل تطور ايجابي يخدمهم ويخدم بلدهم، وهو بالتالي بلد الجميع كي توجه صفعة للوكالات التي تعتاش على 
مصائبنا.