لحسن حظنا أن أغلب الذين عانوا من تعثرات الكتابة تركوا لنا نصائح غبية عما يجب فعله قبل استئناف الكتابة في اليوم التالي. كان أرنست همنغواي يتسكع ليلاً ويعامل النساء بسفالة لأنه لا يريد مواجهة نفسه صباحاً وهو لا يعرف ماذا عليه أن يكتب في السطر الثاني من القصة. 

عملياً يعد تفتح الوعي المدخل الأول للكتابة لكن في الحقيقة لا توجد نصائح أدبية في كيفية المحافظة على حيويتنا العقلية. إن النفور الاجتماعي الذي يواجهه الكاتب الفذ يعود إلى مسائل تتعلق بتقوية التحفيز، فالجملة الادبية البارعة تنتجها مجموعة هائلة من الترابطات بين الحواس ومناطق الذاكرة في الدماغ. إنه نوع من التفرغ للتفكير بالنص. 

أغلب الذين تركوا لنا روايات عظيمة كانوا بالنسبة للذين عاصروهم شخصيات فجة، وغير مهذبة، ومنطوية، وجاهلة في الأمور الحياتية. أعتقد أن الرسائل الغزيرة التي كان غوستاف فلوبير يكتبها ليلاً لأفراد أسرته وصاحبه البعيد تورجنيف كانت بدافع التفكير. الاستعراض هو طريقة مثلى لجلب بعض الأفكار الجميلة. ديستويفسكي هو الآخر كان يثرثر كثيراً من أجل تصنيع اللهفة حتى يعود ليكتب في اليوم التالي بسلاسة.

كل عباقرة الأرض لايستطيعون نسج قصة كاملة في قحف الجمجمة، وعليه لا بد من الكتابة بشكل يومي حتى يتكيف الدماغ تماماً ويصبح قادراً على العمل في منطقة الوهم. هذه العملية تتطلب نباهة بالغة، والحقيقة أن العبقرية ماهي إلّا ذكاء فائق التركيز. أي أن التخصص الفكري في بؤرة ما يخلق توهجا مبدعا؛ لذلك فكل الذين يتعثرون في الكتابة يعانون من خلل ما في بنية ذكائهم.

الكتاب الحقيقيون لا يتعثرون في نصوصهم لأنهم يعرفون تماماً ما عليهم كتابته في اليوم التالي. قد لا تكون الفكرة واضحة في أذهانهم لكن دائما هناك نصائح غير مدونة والأسلم هو مراجعة ما كتب بالأمس والتعديل عليه وبذلك يتنشط الدماغ ويعرف كيف يواصل اختلاقاته. 

كان أرنست همنغواي يغار من عفوية فيتزجيرالد، ويراه رجلا محظوظاً لا أكثر. 

التصنع يكبح القدرة، كما أن الافتقار للفلسفة الإبداعية والنبل الإنساني لا ينتج لنا كاتباً كبيراً، فليس كل الذين نجلهم من الكتاب يملكون عبقرية متميزة. في كثير من الأحيان يرتبط الفشل بعدم الترابط بين الطبيعة الانسانية للكاتب وبين عمله الروائي، وعندما يتوصل هذا الكاتب إلى فهم نظرية التطابق بين قيمه الإنسانية وحقيقته الحياتية وبين النص الذي يكتبه، كما حدث لسالنجر، عندها يترك لنا رواية عظيمة ولكن لمرة واحدة فقط.