النصّ الأدبي والانتقاص النقدي

ثقافة 2022/02/12
...

 علي لفتة سعيد
قد يبدو السؤال منطقياً أو أنه عملية غناء خارج منظومة  الصوت.. 
لماذا نهاجم أدبنا؟ ولماذا يصرّ البعض على أن يكون ناقماً أو أبوياً  على الأدب، ويطرح آراء يعتقد أنها الصحيحة، من مثل أن لا أدب في العراق.. وإن هناك النزر اليسير من النصوص هي التي يمكن لها أن تمثّل الأدب العراقي وما عداه، فإنها عملية ضخ لدور النشر من أجل الربح؟
 
إن هذا الأمر لم يكن وليد اليوم، بل ربما ولد مع النصّ الأدبي المحلي، ولذا ظهرت مقولة (مطربة الحي لا تطرب) لكنه أخذ بالاتّساع، وتحوّل الضرب إلى تحت الحزام كما يقال.. وصار التهديم في النص الأدبي سواء كان شعراً أم سرداً، وهذا الأمر لا تتخلّص منه باقي الفنون الإبداعية الأخرى. وهو لا يعدو عن كونه عملية النفخ تحت سطح الماء، فلا يسمع إلّا القرقعة الهوائية التي تتحوّل الى فقاعات لا يهتم بها إلّا من في داخله هذا الرأي الذي يعتقد أنه الأصح من دون أن يكون ملمًّا ومطّلعًا على الكثير من النصوص الأدبية التي يمكن لها أن تكون مرتكزًا لدراسةٍ أو بحثٍ أو رأي يعتمد على استبيان، وهو ما أشبّهه بمن يكتب عن لعبة كرة القدم محلّلا برأي غير رأي أهل الرياضة، وهو لم يمارس اللعبة في حياته.. بمعنى أن الكثير من هذه الآراء تأتي من وسط لا يكتب النصّ الأدبي ولا يشعر أو يحس بتلك الحالة التي تنتاب الكاتب لينتج نصه الأدبي، لذا هو يحتاج الى هذه الآراء لكسب ودّ الناقمين على كلّ شيءٍ ومن أي شيء.
إن هذا الآراء في الحقيقة لها أسباب عديدة.. وهي لا تقتصر على العراق فقط بل في كل المجتمعات العربية التي أتاحت لنا مواقع التواصل الاجتماعي أن نطلع عليها. فهي تأتي لإبراز العضلات النقدية، مثلما تأتي لمخالفة السائد، مثلما تأتي لأنها حقا باستطاعتها كشف السلبيات أسرع من أي متلقٍ آخر من خارج البيئة المنتجة للنص.. بمعنى أن السلبية في النصّ المحلّي تكون بارزةً وهي غير مرئيةٍ أصلًا في النصّ الخارجي، لذا فإن الترجمات تروق لنا ونعتقدها هي الصحيحة لأننا لا نكتشف السلبيات.
إن الكثير من الآراء طرحت حين ظهرت روايات القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية الاخيرة، وخلوها من الروايات العراقية.. فانهالت السكاكين على لحم الرواية العراقية من أنها غير واقعيةٍ وأنها مستسهلة، وأنها لا تمتلك مقومات الرواية الحديثة، وإنها لا تعبّر إلا عن هذيانات متتالية متشابهة، وقد تناسى البعض نفسه حين فازت روايات أو تم ترشيحها في هذه الجائزة أو تلك ليؤكد علو كعب الرواية العراقية في المحافل الخارجية.. فضلا عن آراء مشابهة تريد الانتقاص حتى من الرواية الفائزة وتعدّها أي الجوائز صاحبة ايديولوجيات خاصة وإن الروايات الفائزة تدخل في هذا الحيّز، فضلا عن آراء أخرى من أنها روايات تهدم الواقع العراقي وأن لا إبداع فيها.
إن هذه الآراء وإن كان بعضها يصل الى كشف بعض النقاط، لكنها آراء شخصية لا تطوّق الأمر كلّه في حيثياته. 
فلا يمكن أن يطلع صاحب الرأي على كلّ النتاج، لكنه اعتمد على مقولةٍ جاهزةٍ من أن ما يطبع هو الغث. 
وهو أمر وإن اعتقده صحيحًا لكنه لا يكون رأيا ما دمنا لم نطلع على النتاج الكلّي، وإن كان هناك اطّلاع فعلى صاحب الرأي سواء كان ناقدًا أو كاتبًا أو حتى متلقيًا أن يثبت ذلك على النصّ السلبي، ولا يعمّمه أو يدخله في النصوص الكلية. 
بمعنى أن الإزاحة موجودة، ليكون رأيه حجر البحر الذي يضرب فيه الزبد، لا أن يكون الحفرة التي تتجمّع فيها السلبيات. وكثير من المرّات قلت إن البعض لا ينظر الى الحديقة الكبيرة التي يشكّلها النص الأدبي، بل الى سلّة المهملات التي لا بد أن تكون متواجدةً في كل الحدائق.
إن الانتقاص من النصّ الأدبي العراقي هو انتقاص للفرد ذاته قبل أن يكون انتقاصا للجميع.. وهو انتقاص للنص ذاته قبل ان يكون رأيًا علميًا منهجيًا ونقديا، ومن يريد إعطاء رأي عليه أن يعطيه وفق أدلّةٍ وبراهينَ واثباتاتٍ لا بطريقة الأقوال الجاهزة، لأن الأمر مردودٌ عليه، كونه جزءًا من هذه المنظومة التي يتكشف المنتقص منها إنه لا يملك مبضع جراح، بل لديه معول الهدم.. وهو رأي لا يختلف عن رأي من يطالب بالكتابة عن هذه الجزئية ويقول إن النص العراقي تغيب عنه فاعلية الجهة أو المنطقة التي يشير لها في مطالبه، متناسيًا أنه منتج نصّ ايضا وعليه أن يستغلها لينتج نصّه 
المتفرّد.
إن احترام الذات تبدأ باحترام ما ينتجه الآخر، وإن كان لا بد من الإشارة فإن الانتباه الى النصّ المبدع وإبرازه، وترك النصّ المستهلك، لكي نشيع أن ساحل البحر يستحقّ الجلوس على ضفافه لنتمتّع برؤيةٍ واضحةٍ للطبيعة.