عن الواقع التعليمي والثقافي

آراء 2022/02/14
...

 حسب الله يحيى 
 
في حياتنا الثقافية في العراق، هناك جملة من الأمور السلبيَّة تستحق الوقوف والمراجعة، نظرا لما تشكله من عقبات تحول دون تطور الوعي المنشود.
إنَّ الثقافة الوطنية التي ننشدها ونسعى اليها ونسهم مساهمة فعالة في إضاءة دروبها تقوم في مقدمتها، وأولى مهماتها على محاربة الجهل بوصفه ظاهرة سلبية في الواقع الاجتماعي.
إننا نشهد اليوم جامعات ومدارس معطلة او شبه معطلة نتيجة للافراط في تجهيل طلبتنا وعدم ضخ المعلومة العلمية السليمة، بل هناك مساهمة في تعطيل الواقع التعليمي الايجابي في العراق، ونجد أصحاب الشهادات (الجديدة)، لا يملكون القدرة على مواجهة الواقع المادي بسبب عدم معرفتهم وجهلهم التام في تخصصهم، الذي ينعكس على المجتمع والملاك التدريسي ـ اساتذة وطلبة ـ على حد 
سواء.
وأصبح التعليم عرضة للبيع والشراء والحصول على أرقى الشهادات عن طريق السوشل ميديا والمكاتب المنتشرة علنا، والتي تعلن جهارا عن مهامها في توفير المصادر والأبحاث لكل راغب فيها!
اما الطلبة فيتخرجون وينتقلون من مرحلة الى اخرى، وهم يعانون من أميَّة معرفيَّة باتت واضحة لكل ذي بصر وبصيرة.
وانعكست هذه الأمية على الأجيال من الشبيبية، التي باتت تبحث عن مورد للرزق لكي تسهم في عيش أسرها.
الأمر الذي أدى الى نشر الامية ـ قراءة وكتابة ـ وكان من نتائج هذه الأمية انتشار الفساد بكل أنواعه وألوانه ووسائله.
من المخدرات الى الفساد الاداري والمالي، الى اغراء السوق بمواد فاسدة ورديئة، الى ارتكاب الجرائم وغياب القيم النبيلة، التي كثرت بين الشبان.. نتيجة للفاقة والامية .
وكان امام وزارات التعليم والتربية، والتعيم العالي؛ العمل على تغيير ومعالجة هذا الواقع التعليمي المتردي، الا أن كلا الوزارتين صارتا تعالجان هذا التردي بالعطل الكثيرة والتعليم الالكتروني، ونظام العبور في إعداد للامتحانات لثلاثة أدوار. الى جانب مناهج عابرة لا أهمية لها وأماكن تعليمية تخلو من أبسط شروط المقبولية.
اما وزارة الثقافة والسياحة والآثار، التي يفترض أن تكون الوزارة الأهم، بوصفها الوزارة التي تعمل على نشر المعرفة والعطاء الفكري الناضج الفعال بين الناس؛ فقد باتت وزارة تتخبط مديرياتها في طبيعة عملها.
فدائرة الفنون، بدلا من الارتقاء بالفنون والجمال، باتت تقيم حفلا بين مدة وأخرى لتوقيع الكتب الجديدة ودائرة الوثائق تقيم معارض ودائرة العلاقات العامة تقيم مسابقات للنصوص المسرحية، ودائرة المأمون لا تأمن لنفسك على مطبوع جيد صالح للقراءة الا في حالات استثنائية نادرة، ودار الثقافة الكردية لا تنتج الا مطبوعات محدودة تداولا ونوعا، ودار الشؤون الثقافية باتت تعنى باعادة نشر كتب مطبوعة من قبل اكثر من حرصها على تقديم كتب نوعية جديدة، اما دائرة السينما والمسرح فقد نسيت أمر السينما، وباتت تغفو على مسرحية او مسرحيتين كل عام لا يستغرق عرض كل منهما اكثر من 40 دقيقة وليومين فقط، بينما نجد دوائر منسية اخرى لا نعرف الاسباب الموجبة لبقائها من دون عمل!
إننا نعيش واقعا ثقافيا وتعليميا مترديا على الاصعدة كافة، حتى لنجد الفضائية العراقية لا تعنى بتقديم برنامج ثقافي رصين واحد!
كل هذا والظواهر السلبية تتضاعف وتتحول الى ما يشبه عراقا يخلو من العراقة، ويتحول الى قرية تسود فيها الأمية، وتنتشر بين سكانها الاوبئة والفاقة والتردي الشامل، حتى يتجاوز حد الفقر بمراحل لا يمكن القبول بها ولا السكوت عنها.
 واذا كانت التظاهرات الوطنية التي نشهد حضورها في كل قطاع المجتمع تظهر بشكل بارز، وتدل على انتباهة ذكية نلحظها بشكل بارز ومهم؛ الا أنها لم تعد تؤثر في (العملية السياسية)، التي اصبحت تعاني من أزمات شتى، بل وبتنا نجد أن هذه العملية العرجاء تحول دون اقامة اي فعل ثقافي يرقى بالانسان وذائقته. 
ومن هنا محاربتها لاي مهرجان شعري جاد ورصين او اي حفل موسيقي وغنائي، من شأنه أن يخفف من أعباء الناس وحياتهم المرة، ويعمدون الى منعه وتوجيه التهم الى اصحابه تحت مسوغات دينية واخلاقية شتى، مع أن هذا الاعمام لا يمكن قبوله ولا الركون اليه.
نعم.. إن الفن الراقي لا يقبل بالاسفاف ولا بالتعري ولا بكل ما يسيء الى ذائقة الناس. غير أن هذه السلبيات لا يمكن إعمامها على كل من يسعى الى الارتقاء بالناس ويضيء الحياة بالآمال الكبار.
إنَّ بنا حاجة الى صحوة ثقافية وتعليمية والى وعي جديد والى مسار من القيم التي تضيء دروب الناس.