نحن والجمهوريَّة الإسلاميَّة في عامها الرابع والأربعين

آراء 2022/02/14
...

 ابراهيم العبادي
 
قبل أربعة وأربعين عاما، وفي ذروة الصراع بين الشرق والغرب، والحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، اخترقت الثورة الاسلامية في ايران أجواء ونظريات ومناهج انصار الفريقين المتنافسين، وشقت طريقا ثالثا للبناء والاصلاح والتغيير، وفق نموذج ايديولوجي جديد هو النموذج الاسلامي الشيعي، يومها اهتز العالم ومنظومات العلاقات الدولية بفعل المتغير الجديد، ارتاب المرتابون منذ اليوم الاول، وانكب آخرون على قراءات غير تقليدية، كيف لنظرية جديدة أن تصنع حدثا بهذه الضخامة دونما ارتباط بأحد النموذجين السائدين، النموذج الغربي ومنافسه الشرقي، أنصار النظرية الثالثة، نظرية النموذج المحلي العالمثالثي، كانوا يعيشون نماذج منطفئة، فلم يبق من ناصرية عبدالناصر ولا عدم انحياز باندونغ ولا تجارب محلية، سياسية - اقتصادية، نموذجا يحتذى النموذج الايراني، جاء يعلن إحياء الفكرة الاسلامية وعاء لتحريك الجماهير وبناء الدولة وتنمية الاقتصاد وتأطير الثقافة، فوق ذاك كانت زعامة هذا النموذج آتية من صميم التراث والامتداد الاسلامي التاريخي، في تلك اللحظات انشد العالم وتفاعل مع هذا المتغير والاتجاه التغييري عاطفيا وفكريا وثقافيا وسياسيا بدرجات متفاوتة، بين الانفعال المشهود الذي عبرت عنه الشرائح الاجتماعية وحذر الساسة واختلاف المثقفين، دارت رحى اكبر عملية هدم وبناء شهدتها المنطقة العربية - الاسلامية، فقد انقسمت المواقف وتمايزت ردود الافعال وبرزت مؤسسات وتشكلات سياسية وحزبية، دارت كلها حول المتغير الايراني، سلبا وايجابا بما أعاد صياغة خريطة الافكار والتيارات والمواقف والعلاقات، وأثر تأثيرا عميقا في الاحداث اللاحقة والجارية.
كانت المنطقة تعيش عصر ما بعد الاستعمار ومجريات الحرب الباردة وانظمة العسكر والقبائل والاحزاب الفوقية، بعد الحدث الايراني، دخل العالم عامة والعالم الاسلامي خاصة، والشرق الاوسط بنحو أخص، في مرحلة (التفجر) الاسلامي، قوى جديدة تنطلق من قاع المجتمعات، فكر يستقيظ من بطون التراث ونظريات الفقهاء والمتكلمين، ثقافة شارعية ومجتمعية تنمو على وقع الرفض، رفض النماذج الثقافية والسياسية والفكرية (المستوردة)، حروب وأحلاف وأنهاك مجتمعي واقتصادي، ثم تطرف وتشدد وإرهاب، وعودة الى خلافات المذاهب والتاريخ، اعادة بناء النظرة الكونية مجددا، لتقوم على نموذج الصراع الدائم، صراع الأضداد والمختلفين والمتصارعين على أحقية النموذج، الذي ينبغي أن يقوم ويحتذى، كفر/ ايمان، استكبار/ استضعاف، علمانية/ اسلام، شيعة/ سنة، اعتدال/ تشدد، دولة خلاقة/ دولة ولاية، مقاومة/ تطبيع، براغماتية/ اصولية، بعد 44 عاما يستمر الجدل والنقاش، بل الاختلاف والصراع على اي الافكار نحتذي، اي النماذج نقتدي، أي السياسات أنفع وأصلح، دولة إسلامية أم دولة وطنية؟
اسلامية بأي معايير ووطنية بأي مواصفات؟، ثم السؤال الاهم، ماذا حققت ايران الثورة في بناء ايران الدولة؟، لقد ذهبت الحماسات والعواطف والاحلام، وجاء دور النقد والمساءلة والمراجعة والتدقيق، ليست المسألة في حب وتقديس شخص الإمام الخميني الراحل ولا طموحاته وأهدافه في إعادة الإسلام بنسخته الشيعية الانقلابية حاكما ينشد العدالة الاجتماعية والثقة بالذات الدينية (فكرا واخلاقا ونظرية سياسية ونموذجا تنمويا)، المسألة تجاوزت مرحلة التأسيس ومرحلة تشييد النموذج، الآن الكلام في المآلات، هل ثمة نموذج ناجز مشع ناهض مستوفٍ لكل اسئلة الحاضر ومستعد للمستقبل؟ كيف نستفيد من السجال الجاري في ايران بين التيارات المعتدلة والمتشددة، بين الاصلاحيين والاصوليين؟ هل ثمة فرصة لاستخلاص الدروس والعبر بلا أن نكون اسرى منطق الولاءات والتبعيات والتخوين والعداوة؟. كان العراق ولا يزال ساحة التفاعل والفعل الاولى بين ايران الثورة والدولة، العراق مركز التشيع في العالم وحاضرته العلمية التاريخية ومركز التأثير الفكري والسياسي وخاصرة الامن وفضاء الاقتصاد ومختبر علاقات القوة، ايران تدرك ذلك بعمق ولذلك تضع العراق في مركز الاهتمام الاول لأنه عنصر حاسم في ستراتيجية الامن القومي الايراني، وبطبيعة الحال ينقسم العراقيون في موقفهم من ايران تبعا لمحركاتهم ودوافعهم الايديولوجية والسياسية، أجيالهم القديمة والجديدة تختلف مدركاتهم ازاء ايران من منظورات مذهبية وقومية ومصالحية، وسيستمر هذا الاختلاف بل يتعزز كلما شعر العراقيون انهم ساحة صراع بين ايران وخصومها الاقليميين والدوليين، وكلما استمرت ايران في النظر الى العراق على انه ساحة نفوذ ومصدر تهديد وموقع دفاع متقدم، العراق في موقع استقطاب لم يصل بعد الى مرحلة الدولة القادرة على بناء سلطاتها وحماية أمنها بدون الاستعانة بالجيران وباقوياء العالم، هذه الحالة ستبقي العراقيين غير قادرين على تقويم علاقاتهم بجيرانهم من منظورات منطق الدولة، وليس منظورات الطوائف والجماعات الساعية الى الاستقواء والحماية، منطق الدولة يدفع الى اقامة العلاقات وفق رؤية تستفيد من التماثل المذهبي والعقائدي والوحدة الثقافية والتاريخية والمصالح الاقتصادية والامنية، بدون أن تفرط بالخصوصيات والمصالح القومية واشتراطات 
السيادة.