ظلمة الجسد ينيرها ماء القلب

ثقافة 2022/02/15
...

 ناجح المعموري
يثير الجسد العاري الانتباه عند المراقبة والقراءة، أولا الكثرة المكتشفة أثناء الحفريات في العراق القديم. وتم التعرف على أختام في أور لها كشوف جنسية واضحة، وجسد عار واتساع المسافة بين الفخذين وانفتاح الفرج، وأعتقد بأن هذا العمل قليل وليس له ما يماثله.. لكن ظاهرة الجسد العاري للأنثى والذكر، لا تكمن أهميتها فيما تومئ له من وظائف وإنما الانكشاف الذي صار سياقاً حاضراً، منتشراً ومقبولا، وتحول من وجود متكتم عليه، إلى انتشار واعتراف بظاهرة جديدة، صارت جزءاً من اهتمام الفنان، على الرغم من أن صورة الفرج كما تتضح بالمظهر وليس بالجودة المميزة لها، كذلك أجساد الأم الأرداف الممتلئة مع التشوه وهي حتما ذات وظيفة إخصابية. 
 
كشفت د. زينب البحراني بأن بعض التمثيلات التصويرية العارية ليست ذات هدف مجرد بالعري، وإنما كان الهدف هو المركز الذي استلزمت وظائف متعية ووجود العري، مثل العزف على الآلات الموسيقية وشرب الجعة.
تتبدّى صورة الجسد في الخمر باستفادة من باشلار- وتلتقي فيه الارواح السماوية الخفية وأرواح الارض الثقيلة، قوة النار والطاقة الغذائية للدم، نبت السماء التي تقطر فيها الذهب والشهاب الذي تستمد منه الماء العلوي، هي سائل خلاق ومبدأ
كوني. 
ومثل هذا الحضور الجمعي وانكشاف الأنثى واسترخاء جسدها للإدخال يؤكد بأن ما تؤديه شكل من اشكال العمل الواهب للمتعة للآخر مقابل مردود اقتصادي، ولا ننكر استمتاع المرأة المشاعة للممارسة الجنسية.
تكررت مفردة  الفرج كثيراً في النصوص الأدبية/ الشعرية وقليلاً حضرت مفردة القضيب تمركزت عبر المجازات والرموز بوصفها من عناصر الشعر.
وتم توظيف ما تنتجه الخصوبة مكوناً فاعل الدلالة والاثارة في الشعر السومري.
رؤية الجسد الانثوي العاري محفزة للشهوة ومغرية، وهي ضرورية لفعل الجماع ــ 
كما قالت د. زينب البحراني لا لأنه يمثل سرديا واقعيا يتطلب فيه الفعل وضع العري، بل لان العري الانثوي في تلك التمثيلات هو الدال على الاغواء والاغراء.
وقلت سابقاً بأن العري رغبة انثوية لما ينطوي عليه من كشف لمفاتن وخفايا الجسد، وكذلك يروج حضور الانثى وسط مشاعات الاناث الكثر، وبالنتيجة يمكنها من الحصول على مردود مادي، وفيض لان العديد من تمثيلات الانثى التصويرية فيها ما يشير الى وظيفة البغاء.
الصورة البدئية للمرأة المستحمة في انعكاس ساطع تعكس تحقيق رغبة الامر الذي يجعل المياه وظيفة جنسية لاستحضار العري الانثوي، فيستحضر العري الذي يحفظ البراءة ويكون الكائن الذي يخرج من الماء انعكاساً يصبح مادة شيئاً فشيئاً فهو صورة قبل أن يكون كائناً وهو رغبة قبل أن يكون صورة. 
واعني بها تناول الجعة ــ كما هو ملحوظ ــ في التصورات العديدة، مما يومئ لحصول الممارسة الجنسية في الحانة مثلاً، أو في بيت للبغاء المشاع، ووجود المشروبات، وسيلة ترويجية لارتياد المكان ولسبب ربحي واضح.
إن الأنثى التي تتعاطى الجعة تشير إلى انها تتعاطاها من أجل تحقيق أعلى درجات الاثارة ومنح فرص أوسع لأقناع الرجل، وأيضا تعني المشروبات المتناولة عن إدمان الأنثى البغي، ويمنحها حضورها في الحانة كاملة للخدمة.
تثير تحفيزاً ايروتيكياً.
تضمنت قوانين حمورابي خمس مواد قانونية منظمة لعمل بائعة الخمر وبغي الحانة وهي المواد 108 / 109 / 110/ 111 /  112، والمهم في هذه التضمينات وجود اهتمام بالغ بالحانات والعاملات من النساء البغايا.
كما تتضمن المادة 109 إشارة لوجود وظيفة أمنية لبغي الحانة حول مراقبة كل من يثير الشبه أو لديه نية تآمر واذا لم تخبر عليه السلطات الامنية فإنها تعدم.
ويبدو أن البغايا لهن حانات خاصة بهيئة ونظم القانون أوقات الدوام ولا يجوز التجاوز على اوقات الغلق، من قبل صاحبة الحانة أو رئيسة الكاهنات التي لا تقيم في دير، فلا يجوز لهما فتح الحانة لغرض الشرب، فعليهما أن يحرقوا تلك المرأة على الرغم من قلة عدد المواد لكنها تكشف لنا: 
 وجود حانات عديدة تشير إلى وجود بغي في الحانة وهي المسؤولة عن اشراك فرق موسيقية للترفيه والترويج والرقص.
كما أنها تعزف أثناء ممارسة الجنس.
 وجود البغي مسؤولة عن الحانة مع ممارسة الجنس من أجل زيادة الموارد المالية أو المادية.
 تضمن هامش المادة 110 اشارة: لكل معبد بغايا لهذا الغرض، وقد ذكرهم هيروتس عند زيارته لبابل سنة   470و 460 ق . م .
لم تتضمن المكشوفات الاركيولوجية للفن البصري في بلاد الرافدين عن صورة ذكر يتضح له قضيب خاص به.
وعلى الرغم من وجود ذلك في كثير المصورات للرموز الجنسية، الذكرية والانثوية.
عبر تاريخ طويل. 
واشارت د. زينب البحراني: أننا لا نصادف استخدام صورة القضيب للتعبير عن القوة والنفوذ، كما لا توجد تمثيلات هزلية لرجال بوضع انتصاب.
لا شك في أن الأعضاء التناسلية الذكرية تصور عند رسم ذكر عار، لكن لا توجد صورة لذكر بقضيب.
بين مصورات الذكر خالية من الرمز الذكري الدال عليه. 
ويبدو بأن الاشارة القضيبية لذلك يمثل تابواً لأن الذكر يتمتع بنوع من الصيانة والحماية الدينية، فضلا عن أنه يمتاز بقداسة، ويحوز على بعض خصائص الإله أو الكاهن، وله وظائف مقدسة في المعبد بالإضافة إلى الذكورية الثقافية.
وانعدام مثل هذه التصويرات مثير للأسئلة قياساً على ما عرف عنه في بلدان مجاورة للعراق، وقد عرفت باهتمامها بقضيب الذكر، تعلن عنه وتكشفه لما له من خصائص دالة على القوة والشجاعة والتميز.