أثر الإقصاء والتشاركيَّة على مستقبل حكومة الدورة الخامسة

آراء 2022/02/15
...

  فلاح الاميري
 
المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق في التحول الديمقراطي تتعسر وتتعثر وتعاود الرجوع في اكثر من دورة الى مرحلة البداية في الاعتلال الديمقراطي، لكن الامر المهم هو عدم العودة الى نقطة الانقلاب في النظم، اي للمرحلة ما قبل التخصيب لولادة النظام الجديد.
إنَّ نسف النظام الديمقراطي الانتخابي في الدورة الرابعة، كان نقلة جديدة وكبيرة خطيرة تهدد حالة النظام واستمرارية العملية السياسية، فبعد إقالة او استقالة حكومة كاملة من اثر عوامل كان الجزء الاكبر منه داخليا مجتمعيا وجزء منه كان خارجيا، قد تعطي الرؤية أنه تلبية لرغبات لجمهور ما قد رفض الإهمال وسياسة الادارة في جميع أشكالها والضعف فيها امام التحديات، قد تكون من اقوى و أكثر الاسباب التي فتحت الافق امام الجمهور في رفع سقف المطالب لتنحيتها، لكن هنالك اسبابا جوهرية اخرى فبعد ما تشكلت قوى تتصف بالخروج عن القانون والعرف الوطني، وهو اكثر صراع دار بين اطراف المجتمع وخلف فجوة بين ارادة الدولة وادارة الحكومة، ومع وجود نخبة من استطاعوا خلق الرأي العام وحجم مجتمعي شبابي كبير ذو ارادة صلبة للتغير، والمقارنة المستمرة لديه بين الحالة الاقتصادية وغنى البلد واستمرار افقار المواطن.
إذن ذلك النسف هو عملية كان شكله الظاهري طعنا للديمقراطية بمفهومها العام، لكنه كان علاجا ناجعا في ذات الديمقراطية التي تتناسب مع الواقع العراقي، وهو ما يعطي بضرورة الحاجة لوجود ديمقراطية عراقية خاصة تشمل اشراك الجميع بشكل حقيقي مباشر، اي ان عمق الديمقراطية لا بدَّ ان يكون في جميع القطاعات ولا تكون حكرا في صندوق الاقتراع وانما الى اعمق نقطة في الحياة العامة والسياسة العامة للبلد والدولة.
اليوم وبعد استمرار ديمقراطية صناديق الانتخاب، تبقى الديمقراطية مهددة ولا تستند الى ركائز كاملة وقوائم تجعل الكرسي مستقرا لا يترنح او قد يهوى مثل سابقته، فحكومة اغلبية وطنية قد لا تكتمل بالأرقام، وعدد الكراسي بالتحالف وحدها قد لا تصمد او لا تقف امام العواصف الشعبية، مهما تستقر تبقى هنالك تراكمات تتحملها حكومة الدورة الخامسة، واقلها ما يمس بصورة مباشرة بأمن واقتصاد الفرد العراقي، فهو مبرر لمن يحتج، وفضاء واسع للخصوم السياسية بالضرب في مناطق حساسة، بضربات موجعة ومؤثرة، تدفع بالجميع بالوقوف بالضد منها.
في اشارة للواقع الشبابي والفرص المتاحة لهم في تكوين رأي عام والتي تنبع من عدة اسباب قسم منها يرجع لسلوكيات الاقصاء للحكومات السابقة والعدائية المستمرة، وايضا من قبل الفائزين بالأغلبية في الدورة الخامسة والتي تظهر بشكل او آخر أنها عدائية، بالرغم من كونها فجوة بين اختلاف التوجه في الفكر والعقيدة السياسية، لكنها كانت ظاهرة بوضوح بغض النظر عن النوع والكم والاحداث، انها اثرت بشكل كبير ومن اثارها الرفض والنفور وعدم المقبولية، لكن النسبة بين عدم المقبولية لهم هنالك جهة اكثر نسبة من عدم المقبولية، وهي اشارة ايجابية ممكن ان يستفاد منها بردم هذه الفجوة، كما أن هنالك فرصا اخرى حصل عليها الشباب في تجميعهم نحو هدف مشترك بل اهداف مشتركة منها اقتصادية، ومنها متعلق بالحريات متأثرة هذه الكتل الشبابية بالحرمان النسبي الذي أخذوا جزءا كبيرا منه، وهم في دولة غنية وديمقراطية النظام، مقارنين حالهم بحياة دول اخرى اقل غنى واقل تحرر، كما أن وجود الايثار والعمل الطوعي متعمق في نفوسهم هؤلاء الشباب من جذور حقوق الانسان والاخلاق الاجتماعية العامة، النابعة من الدين احيانا وأخرى عرفية فطرية جبلوا عليها من تاريخ الوطن، وكل هذا يولد التمرد على التعسف والتسلط وهي ميزة قد ظهرت بنسبة اكبر لدى الشاب العراقي اكثر وضوح بعد 2003 دون انتماء ودون الركون الى قاعدة واحدة.
إن الاقصاء لهذه الكتلة الشبابية وهم بهذا الثقل الاجتماعي والامكانيات، التي بدأت تكبر حتى تحول القسم منها الى كيانات سياسية نشأت وهي طامحة في التغيير وتغيير الواقع، فضلا عن الازاحة، فالبقاء على ترحيل الأزمات ونسخها الى المستقبل قد يضيف أزمة من نوع اخر تختلف عن الأزمة، التي ولدت موازية في الشارع بل من الممكن أن تتحول الى أزمة تنسف مثال النسف السابق، بل قد يكون نسفا تاما للعملية السياسية، مع وجود الند لحكومة (الاغلبية) المتربص للزلل.
الديمقراطية التي تعطي اكثر استقرارا سياسيا هي تلك الديمقراطية التشاركية في صناعة القرار والاكثر من صناعة القرار هي التشاركية في الادارة بشكل كامل، وهنا من الممكن حذف الأزمات الداخلية المتوقع أن تواجه وتعرقل او حتى تنسف ديمقراطية الصندوق، فعملية جمع الشركاء الحقيقيين وفتح التفاوض هو ليس بتنازل، انما رؤية مستقبلية في الوقاية من وقوع بالأزمات المتكررة مستفيدين من التجارب، ومن لم يعدِ النظر الى الماضي والماضي القريب لا يمكنه أن يرسم سياسة تنجيه ومن معه، وقد تخله في دوامات ودوامات تشغله في الادارة الجيدة مهما كانت تلك الادارة ناضجة ورصينه.
وعلينا أن نتخلص من الدكتاتوريات المتعددة تحت عنوان التعددية والديمقراطية، وأن لا نرحل المشكلات للمستقبل بسبب الخطأ في تشخيص المشكلات وسوء التخطيط السياسي في الادارة. وإلا من يتحمل نتائج هذه الدوامات؟ ومن هم الخاسرون؟.
الشعب وحده من يتحمل النتائج، وتحملها سابقا في الدكتاتورية واليوم في الديمقراطية متعددة الديكتاتوريات.