الفراق

ثقافة 2022/02/17
...

ستار كاووش

نتطلع اليوم إلى لوحة (إيزولت الجميلة) للفنان البريطاني ويليام موريس ( 1834 - 1896) ، وهي عبارة عن مشهد متخيل من إسطورة (تريسترات وإيزولت) كما عادة فناني ما بعد الروفائيلية بتناول هذه الموضوعات في لوحاتهم. والمرأة التي تظهر في اللوحة هي في الحقيقة جين بوردن زوجة الرسام نفسه، وقد طلبَ رسمها في هذه اللوحة، لغرابة جمالها الذي يتلاءم مع الموضوع. تظهر أيزولت في اللوحة بعد أن قضت ليلة مضطربة في السرير، تقف وسط الغرفة بينما يتكور كلب الصيد الذي أهداه لها حبيبها على الملاءات غير المرتبة. كل مشاعرها مع عشيقها تريسترام الذي لم يفترق عنها قبل هذا الوقت، وهي حزينة لأن زوجها الملك مارك قام بإخراج تريسترام من البلاط وقام بنفيه. ومثل كل تقاليد جماعة ما بعد الروفائيلية، وضعَ موريس الكثير من التفاصيل والرموز التي تكتمل من خلالها اللوحة، وهكذا يرمز الحزام الذي تحاول ربطه على خصرها إلى العفة القسرية، بينما تاجها المزين بإكليل الجبل يرمز إلى التذكر، في حين يشير اللبلاب إلى الارتباط والتعلق بالحبيب، وقد كتب على الشريط الأصفر بحافة المرآة كلمة (دولور) وتعني الحزن. تكشف الألوان الغنية في هذه اللوحة ودراسة كل التفاصيل، عن موهبة موريس الرائعة بالإحاطة بالموضوع ورسم لوحة مؤثرة، حيث اهتم بكل موجودات الغرفة وما ترمز إليه، مثلما اهتمَ بالإضاءة والزخارف التي ملأت المكان. وقد واصلَ الرسم عدة أشهر حتى انتهى من إنجاز هذه التحفة، لكنه رغم كل ذلك كان يعتقد أن هذه اللوحة ليست جيدة بما فيه الكفاية، لذا كتبَ خلف اللوحة كلمات لزوجته جين التي وقفت له كموديل (ربما لا أستطيع أن أرسمك بشكل مذهل، لكني أحبك بطريقة مذهلة). وحين وقفتُ أمام هذه اللوحة بمتحف تيت في لندن، كانت عندي رغبة كبيرة أن أدير اللوحة في غفلة من حراس المتحف وأنظر خلفها لاتأكد من أن هذا النص مازال موجوداً خلف اللوحة. 
الغريب أن موريس كان متعدد المواهب بشكل استثنائي، لكن الأغرب من كل ذلك هو أن هذه اللوحة هي الوحيدة التي رسمها، وليست لديه لوحات أخرى معروفة، ماعدا بعض الرسومات هنا وهناك. وقد دَرَسَ هذا الرجل الاستثنائي اللغات الكلاسيكية في جامعة أكسفورد، ثم أسس مطبعة كليمسكوت في لندن وعمل سنوات طويلة في الطباعة، ثم انشغل في تصميم النوافذ الزجاجية، واهتم بالأدب وقام بتصميم الكثير من الكتب وطباعتها، كذلك انشغل سنوات في تصميم ورق الجدران، وعمل في تصميم المنسوجات والسجاد والبلاط، وصمم الأثاث واهتم بالديكورات الداخلية للمنازل، وله ابتكارات في مجال التسوق، وإضافة إلى كل ذلك يعتبر موريس مفكراً طوباوياً، وهو الأب الروحي لحركة الفنون والحرف اليدوية في بريطانيا، ومن إنجازاته تأسيس جمعية الحِرَف والفنون. وقد أثر تأثيراً كبيراً في تطور الفنون التطبيقية وإحياء الحِرَف اليدوية في أوروبا.