الدراما العراقيَّة في غيابها الطويل.. تساؤلاتٌ عن مستوياتها الثقافيَّة

ثقافة 2022/02/19
...

 استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 
طالما كان للأعمال الدرامية أثر واضح ومهم على المجتمعات، فقد تركت شخصياتها انطباعات وقيماً، أثرت بمفاصل الحياة   الاجتماعية حتى أنك قد تجد اسم مسلسل بصيغة (أسواق باب الحارة) وآخر على شكل (مطعم ليالي الحلمية) فضلا عن تسمية بعض المواليد الجدد أو الفنادق والبنايات بأسماء ممثلين 
أو ممثلات فضلا عن شيوع مفردات تداولها أبطال المسلسلات. 
 
من هنا نستدل على أثر الدراما في المجتمع، ومن هنا نتساءل عن المستوى الثقافي والمعرفي الذي تقدمه الدراما العراقية؟ 
نتساءل عن الأسباب التي تؤدي بها إلى إعادة ظلامية الماضي والحاضر في أعمالها عبر انشغالها بمواضيع الحرب والعنف والتردي، وعدم قدرتها على صناعة حلم درامي يتمكن من التلويح لواقع اجتماعي جديد؟ من يقف وراء غياب أدوار الشخصيات الأدبية والمعرفية كالشاعر والروائي والقاص والممثل والصحفي والفيلسوف والكاتب والمسرحي والناشر والمغني وقارئ الكتب عن ذهنية صناع الدراما في البلاد؟ هل السياسة أم الثقافة أم المال من يحرك الأعمال الدرامية على قلتها؟ عن إجابات لهذه الأسئلة بحثنا مع نخبة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع. 
 
أعمال عرجاء 
القاص صلاح زنكنة يرى أن الدراما العراقية متخلفة كثيرا عن الدراما المصرية والسورية وحتى الخليجية.. وهي بالكاد تقدم بعض الأعمال العرجاء التي لا تلفت الأنظار غالبا، على حد تعبيره. 
مشيرا إلى غياب ذهنية صناع الدراما في الأساس عن المجتمع العراقي وحراكه وعلاقاته، متسائلا عن الكيفية التي يمكن للدراما العراقية أن تنتبه من خلالها للشخصيات الإبداعية والاشكالوية، وهي على هذا الحال من الغياب. مؤكدا على أنها وإن انتبهت أحيانا، فهي لن تقدم تلك الشخصيات إلا بشكل ساذج وسطحي وتهكمي، على حد قوله. 
وأضاف زنكنة قائلا: ببساطة شديدة ليس لدينا كتاب سيناريو محترفين إلا في ما ندر، وهم على عدد أصابع اليد، ولهذا ترى معظم المسلسلات الدرامية عندنا عبارة عن حدوتات بليدة ومكررة. أما في ما يخص السياسة فلا شأن لها بالدراما ولا بالثقافة ولا بالفن ولا بالمعرفة.. شأن السياسة أن تهمش كل هذه القنوات.. قد يكون للمال والربح المادي للمنتجين بعض الدور في تردي الدراما العراقية كون معظم المنتجين هم تجار فن.
 
صناعة لا تمتلك اشتراطاتها 
الكاتب كاظم الجماسي تحدث عن الدراما بوصفها صناعة تمتلك اشتراطات انتاج وتسويق، لافتا إلى معاناتها بالحصول على رأس المال فضلا عن غياب الرؤية الستراتيجية للعمل وعدم وجود المعنيين في الأماكن المناسبة لهم، وأوضح الجماسي قائلا: بات مؤكدا بأن الدراما بوصفها حقل إبداع أدبي – فني، فضلا عن كونها صناعة لها اشتراطات إنتاج وتسويق كنشاط اقتصادي لشغيلة الفكر، خاضعة للعرض والطلب شأنها شأن المنتجات الأخرى في السوق، بات مؤكدا أنها تعاني ولمدى طويل من الزمن من معضلات جمة.
لعل في الصدارة منها رأس المال اللازم للإنتاج بنحو متمكن، فليس بمُكنة القطاع الخاص وحده الحرية والسيطرة الكاملة على مفاصل إنتاجها وتسويقها، مثلما ليس بمُكنته اختيار ما يطلبه السوق من موضوعات رائجة يمكن لها أن تلبي رغبات أو حاجات المستهلك، وفي الوقت نفسه الحصول على عائدات مجزية.
وأضاف قائلا: وفي منحى آخر لتناول تلك المعضلات، يبرز الغياب شبه الكامل للرؤية بعيدة المدى، من لدن القيمين على الدراما رسميا، وقد بات مفروغا منه، ومكررا القول: الرجل غير المناسب في الموقع الرسمي غير المناسب.. ليس في حقل الدراما وحده، بل في شتى مناحي الثقافة والإبداع بدءاً من مساعد مصور أو مسؤول استعلامات صعودا إلى وزير ثقافة، فالأمية التخصصية سائدة بنحو مريع ومؤلم. 
والحال على هذا المنوال فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف بنا نريد من الدراما أن تتناول أعلاما في الإبداع، وهناك منهم من يقف على طرف نقيض مع تابوات الدين والجنس والسياسة، تابوات التخلف بامتياز لا يبارى. 
 
إدانة الظلام وتكريسه
الشاعر محمد حسين الفرطوسي يجد أن الدراما العراقية ابتعدت كثيرا عن تقديم مستوى ثقافي متميز ومهم منذ مدة زمنية طويلة، لافتا إلى أن ذلك يتضح من خلال متابعة وتقييم الأعمال الدرامية على قلتها فهي غالبا تهتم حسب الفرطوسي بتتبع الأحداث من دون معالجة ثقافية وفنية قادرة على صناعة أمل بحياة جديدة إلا نادرا، متسائلا عن الأسباب التي تقف وراء غياب التفاؤل في هذه الأعمال والسعي وراء تمثيل فجائعية غريبة ومقيتة من خلال تصوير النساء وهي تلطم وتتصايح بطريقة خارجة عن الذوق العام بحجة كارثية الأحداث. 
وأضاف الفرطوسي قائلا: أعتقد أن الدراما العراقية بحاجة ماسة إلى مؤسسة كبيرة تمتلك استقلالاً فكرياً ومالياً وهذه قضية شبه مستحيلة في وضعنا السياسي المتردي، لأننا نعيش واقعاً سياسياً غير عارف بأهمية العمل الفني وأثره في الحياة ولهذا نشهد منذ زمن طويل تردي في هذا 
الجانب. 
واحدة من المشكلات برأيي هي قلة النصوص المكتوبة أصلاً للدراما، وهذا أمر مهم فالنص الذي يقدم نصاً ليمثل يختلف عن النص الذي يقدم ليطبع بوصفه رواية او مجموعة قصصية، وهذا يعني أننا نحتاج كتّابا معنيين بصناعة النص الدرامي، هذا الموضوع يسهل إعداد النص على السينارست وكذلك سيجعل من المادة الدرامية أكثر قدرة على الحضور بين شرائح المجتمع. 
وعن صورة البطل في الفن العراق، قال: إن صورة البطل في الفن العراقي هي صورة مشوهة وحزينة ومنكسرة، فهو ذلك الإنسان المحارب والخائب أحيانا، أو الشهيد أو الضائع لا نمتلك بطلاً مثقفاً إلا في أعمال شحيحة جداً، لا نمتلك بطلا شاعرًا أو روائياً او فيلسوفاً أو طبيباً أو مهندساً أو ضابطاً، كل أعمالنا تحاول أن تدين الظلام ولكنها غالباً تكرسه من دون أن تشعر.