تولستوي ودستويفسكي

ثقافة 2022/03/01
...

برهان الشاوي
من يطّلع على الأدب الروائي الروسي سيقف حائراً بين عملاقين في تاريخ الرواية الروسية والعالمية وهما: ليف تولستوي وفيودور دوستويفسكي.
بعضُ النقاد الروس اعتمد على قراءة قائد الثورة الروسية لينين، الذي لم يكن يحب دوستويفسكي. قراءة لينين كانت سياسية وتعتمد أولاً على موقف دستويفسكي من النظام القيصري الاستبدادي، إذ لم يكن موقفه يشجع قائداً مثل لينين أن ينظر بعين الرضا لكاتب كان يدين بالولاء الذليل للقيصر، على العكس من موقف تولستوي الذي أعاد قراءة التاريخ الروسي في «الحرب والسلام»، مبينا انحلال الطبقة الأرستقراطية الروسية، كاشفًا عن الروح الوطنية لدى الفلاحين والجنود ومتغنيا بالطبيعة الروسية، وكذلك في رواياته «الانبعاث أو البعث» التي جسد فيها معاناة السجناء السياسيين، لا سيما في تلك الفصول التي يتحدث فيها عن نقل السجناء السياسيين بالقطار في يوم صيف حار، وتعاطفه مع الثوريين، وانتقاده للحرب وإدانته لها في «أقاصيص سيباستوبل»،  بل وتعاطفه مع الشعوب التي كانت تعيش في ظل القيصرية في روايته «القوزاق». 
على العكس من دستويفسكي الذي سخر من الثوريين والديمقراطيين الروس في روايته: «الممسوسين» أو «الشياطين» كما ترجمت عربياًـ وقدّمهم كعصابة إرهابية من الفتيان الذين سكنتهم الشياطين. 
طبعا دستويفسكي سبق وأن أدان عملية القتل الفردي لتحقيق فكرة العدالة في روايته الخالدة «الجريمة والعقاب»، لكنه عاد إليها ثانية في روايته «الممسوسين» لكن ليس كخلاص فردي وإنما كمرض وكأيديولوجيا إرهابية لا يمكن الخلاص منها إلا بالانتحار..
ليس الموقف السياسي وحده كان دافعا لتفضيل تولستوي على دستويفسكي، وإنما يأتي العامل الآخر ألا وهو الموقف من الدين والكنيسة التي كانت متحالفة مع النظام الاستبدادي القيصري.  
ليف تولستوي تم طرده من الكنيسة الروسية على أثر روايتيه «الانبعاث أو البعث» التي فكك فيها النظام الكنسي ودوره في تبرير استبداد النظام القيصري، وكذا في روايته الخالدة « آنا كارنينا» الذي أعاد فيها انتقاده للكنسية. 
بينما دستويفسكي جسد الأخلاق المسيحية من خلال شخصية الأمير ميشكين في رواية «الأبله» وشخصية أليوشا والأب زوسيما في روايته «الأخوة كارامازوف»، ومن خلال المومس سونيا ميرميلادوفا في رواية «الجريمة والعقاب». بل حتى على المستوى الشخصي فإن علاقة دستويفسكي بالمسيحية كانت أقرب إلى الشعوذة، وهذا الأمر ليس له علاقة بعبقريته الأدبية، فلا أحد يتنكر لعبقريته الأدبية الخارقة، بينما كان تولستوي إصلاحيا ومهووسا بإيجاد دين جديد يجمع الأديان كلها.
وحده غوس، من بين النقاد الروس، قد ألف كتابًا بعنوان (تولستوي ودستويفسكي) أكد فيه بأن التفضيل بينهما غير ممكن، إذ إن تولستوي كان ملحميا بينما دوستويفسكي كان دراميا. وهذه الجملة تحتاج إلى تفكيك. ومن هنا فإن كتاب غوس جاء في 500 صفحة، كلها تؤكد ملحمية تولستوي ودرامية دستويفسكي.