قبلة نجاة

آراء 2022/03/02
...

  غفران عبد العزيز
 
لن يبقى العالم في حالة حرب مستمرة، لكنه سيبقى في حالة بيع وشراء مدى الحياة.
العلاقة بين تركيا والإمارات. والبداية كما دائماً من التاريخ. والتاريخ يذكرنا بأن الإمارات كانت أولى الدول العربية التي مدت ايديها لتركيا الجديدة "تركيا زمن أردوغان". فمنذ العام 2004 وحتى العام  2008 قفزت صادرات الإمارات لتركيا إلى ستة أضعاف. 
كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تضاعف في العقد الاول من الالفية الجديدة بمقدار 800 %، ولكن لم تكن هذه البداية الفعلية للعلاقات بين الطرفين، فقد سبق لها وإن انطلقت في العام 1904، باتفاقية التعاون الاقتصادي والفني. ما تبعها من اتفاقيات اخرى، اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار بين البلدين ومذكرات التفاهم على عدة شؤون اقتصادية. 
لكن الذروة كانت عقب وصول حزب العدالة والتنمية للحكم. حيث تمَّ انشاء مجلس مشترك لرجال اعمال البلدين عام 2005. ولأن الاقتصاد لا ينتعش وحده. فقد ازدهرت العلاقات بين الطرفين على جميع الصعد سياسياً وحتى ثقافياً. 
حتى دارت عجلة التاريخ وهبت رياح تغيير في المنطقة. فسعت أنقرة لركوبها بل وأكثر. فقد سعت لتوجيهها حيث تسير مراكب الأتراك. ما أدى لفتور العلاقة بين الطرفين والذي بلغ ذروته ما بين العامين 2015 و2019. لكن على الرغم من تراجع السياسة ظل الاقتصاد شعرة معاوية بين البلدين، وحتى في ظل جائحة كورونا التي أثرت في الجميع. سعى كل من الطرفين للمحافظة على ما بينهما من اتفاقات اقتصادية وتبادل تجاري. حتى جاء العام 2021، والذي أعاد صيفه حرارة العلاقات بينهما بزيارة من مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، التقى فيها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. أحدث خلالها انفراجة في العلاقة الفاترة بين أبو ظبي وأنقرة. 
وما هي الا شهور عقب هذه الزيارة. حتى جاءت زيارة اكثر زخماً وايضاً إلى تركيا ومن الإمارات. كان على رأسها محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي. ليشهد خريف العام 2021 ربيعاً جديداً في العلاقات بين البلدين. والذي أثمر عن زيارة تركية للإمارات من قبل الرئيس أردوغان. 
ومع تبادل الزيارات هذا جرى تبادل اقتصادي وتجاري، يراه الاتراك "قبلة النجاة" لاقتصادهم المتأزم. ويراه الإماراتيون صفحة جديدة. فكلا البلدين يتمتع بأهمية للآخر. 
كذلك الإمارات بوابة للعبور نحو العالم. تأتي تركيا بالمرتبة الحادية عشرة من بين أكبر الدول الشركاء التجاريين للإمارات. 
بينما تمثل الإمارات الشركة التجارية الثانية عشرة عالمياً. كما تبلغ تدفقات الاستثمار الإماراتي إلى تركيا اكثر من 5 مليارات دولار. وفي عدة قطاعات حيوية تركية كالطاقة والصناعة والسياحة والخدمات. وفي المقابل بلغ رصيد الاستثمارات التركية في دولة الإمارات قرابة 354 مليون دولار. معظمها في قطاعات البناء والعقارات والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات. كما يبلغ عدد الشركات المؤسسة في تركيا برأس مال اماراتي قرابة 400 شركة. وتعد الإمارات في مقدمة شركاء تركيا في التبادل التجاري وفي قائمة الدول العشرين الاكثر تبادلاً تجارياً مع تركيا. وبحسب معطيات وزارة التجارة التركية لعام 2019 بلغت صادرات الإمارات إلى تركيا 4.3 مليار دولار. بينما بعد بلغت صادرات تركيا إلى الإمارات 3.5 مليار دولار. وبلغ حجم التجارة البينية ذروته عام 2017، بقيمة 14.7 مليار دولار. 
وعن مستقبل هذه العلاقات الاقتصادية تَمخض لقاء محمد بن زايد بأردوغان عن تأسيس صندوق لدعم الاستثمارات في تركيا بقيمة 10 مليارات دولار. كما اسفرت زيارة أردوغان الأخيرة إلى ابو ظبي عن توقيع 13 اتفاقية وفي عدة مجالات منها الدفاعية. 
ما يعني أن العلاقة بين البلدين قد بلغت ذروتها. وإن هذا الانفتاح من كل طرف على الاخر قد يؤدي إلى مزيد من التقدم في العلاقة التي تجمع الطرفين. فتركيا تحتاج إلى الإمارات التي تسجل نجاحات مستمرة في الاقتصاد والتجارة وانعاش الفرص. كما لها خطوات واعدة في مجال تكنلوجيا المعلومات. 
وشقت طريقاً نحو المستقبل بتوظيفها تكنلوجيا الطاقة المتجددة. وفي المقابل تحتاج أبو ظبي لأنقرة فهي سوق كبيرة وبوابة للعبور نحو أوروبا وآسيا. وهذه الحاجة المتبادلة بين البلدين تجعل المصلحة والتفاهم لغة مشتركة ينتهجها كلاهما. وقد تسفر في الأيام القادمة عن مزيد من الخطوات نحو ازدهار أكبر.