شوبنهور وحكمة الحياة

آراء 2022/03/02
...

  علي المرهج
تمكن شوبنهور من صياغة فلسفة مغايرة لجميع الفلسفات التي سبقته، بل وحتى التي تلته، إن ما يميز فلسفته أنها فلسفة تلعن الحياة، فليس في الحياة بحسب ما يرى ما يستحق أن نفرح به، وما عيشنا في هذه الدنيا سوى شرٍّ لا بُد منه، وما العقل سوى أداة بيد الفرادة تحركها ذات اليمين وذات اليسار.
 
فلسفتهُ تمثُلٌ لحياته، فقد عاش حياة مليئة بالألم والتشاؤم والشقاء، فلم تكن له علاقة طيبة مع أمه التي اختارت أن تختط لها حياة خاصة بعيدة عن مهماتها كأم، لتعيش حياتها بحرية خرقت بها شروط الأمومة ومتطلبات الحميمية وشروط غريزة الأمومة التي تجاهلتها تماماً، الأمر الذي جعل شوبنهور يكره المرأة ولا يُحسن الظن بها.
كان شوبنهور شغوفاً بالفكر البوذي، ولما في هذا الفكر من بعد أنسني، لذا نجده يعشق الحُرية ويُساند الثورات لأنه ينظر لها على أنها سعي للقضاء على النظام وراحة الدولة، بل و "عدم اكتراثه المُطلق للسياسة ومسائلها".
 
من أساسيات فلسفته
ـ إن الإرادة دافع الحياة في الخيرية والشقاء، ولكن الأمضى حضوراً هو الشقاء، فليس للخليقة معنى خارج الشقاء، ولا عيش لنا خارج هيمنة هذا الشعور بالألم، ولا تظننَ بأن في هذا العالم ما يدعو للسعادة.
ـ العالم لا تُفسِّره سوى الإرادة "إنَّ العالم إرادة".
ـ لا فهم للعالم خارج وعي الذات وتمثلها له، فـ "العالم من امتثالي" أو تصوري له، ولا وجود له خارج تمثلي أو تصوري له. "فكل شيء في الواقع مرده بالنسبة لي إلى المعرفة، معرفتي أنا الخاصة. فأنا أتصور عالماً، وهذا العالم لا أستطيع أن أقول إلّا أنه هو وحده الحقيقي، لأنه إذا كان هناك عالم آخر هو الحقيقي، فلا سبيل لي إلى إدراكه، فلا أستطيع حتى التحدث عن وجوده، ناهيك بمعرفة حقيقته وخواصه". 
بهذا المعنى يكون كُل ما أتصوره أو أشعر بأنه موجود فهو حقيقي، لأن الفكر هو الشرط اللازم لإدراك هذا الوجود.
لا تستطيع توصيفه سوى أنه "فيلسوف التشاؤم" بامتياز، فالعالم عبارة عن شرور، وهذا الشر لربما هو الدافع الإيجابي للعيش، وما السعادة سوى حالة مؤقتة للتقليل من التعاسة، ولكنها ستنتهي بوجود ألم جديد ومُعاناة تدعونا لنبذ الحياة.
 
الغنى المالي والغنى الثقافي
لا يزال هُناك الآلاف المؤلفة من البشر على قناعة تامة بأن يُصبحوا أغنياء في يوم ما بدلاً من اكتساب ثقافة، على الرغم من  أن ما يُقدمه الإنسان من إسهام (ثقافي أو فكري) لهو أكبر سعادة مما يقتني (من مال أو ذهب). لذا فأنت ترى بأمِّ عينيك الكثيرين يعملون بجد واجتهاد كالنمل، مُنذ ساعات الصباح الباكرة حتى ساعات الليل (وبعضهم لا يعملون بقدر ما يسرقون) من أجل تكديس أكثر للذهب (أو المال)، لكنك ستجدهم في الأعم الأغلب، في النهاية خاليي الوفاض، عقولهم 
فاضية.
إنَّ اللذات القُصوى هي تلك التي لها شأن في الفكر (الثقافة)، وهي عند الشخص (الذي همّهُ تكديس المال) بعيدة المنال، يُحاول استبدالها باللذات الحسيَّة الزائلة، التي ينغمس فيها ويستمر حتى لو كلّفه كثيراً. 
وإذا كان محظوظاً، فإنَّ ما جمعه من مالٍ سترثه ذُريته من بعده، التي ربما تُحافظ عليه أو ربما تُبدّده بإسراف.. إن حياة كهذا لا يُمكن أن يُقال عنها سوى أنّها حياة تافهة، لأنَّ ما يملك الإنسان لنفسه، هو العامل الرئيس 
لسعادته. 
التفاهة يُمكن أن تُورث لا سيما في الأسر الغنية التي اعتادت أنّ اللذة في المُتع الحسيَّة، وكل هؤلاء هُم فقراء تعقل ووعي.