الكتاب الأول وتحنيط فهم النسويّة (2-2).. التغالط والعنت

ثقافة 2022/03/02
...

 أ.د. نادية هناوي
كنا قد أشرنا في القسم الأول من هذا المقال إلى تبعتين من تبعات البناء الباطل على قاعدة باطلة، والمتمثل في المطبوع المعنون (الكتاب الأول) الصادر مطلع هذا العام عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، ونذكر هنا التبعات الأخر وكالآتي:
 
ــ الناحية العلمية هي من أخطر التبعات لأنّها كشفت عن قصور فاضح ولا أقول جهل مطبق في موضوعة النسوية بوصفها موقفا وفلسفة ونظرية. وكثير من الأوراق لم تكن المرأة هي المعنية بها بقدر ما كانت السياسة والاقتصاد والدين. فورقة القاضي روضان وعنوانه (الحضانة ومصلحة المحضون بين الشريعة والقانون) ص16ـ ص38 لم ترد فيها كلمة نسوية ولا مرة واحدة، ومدارها الطفل وفي سياقه يأتي ذكر الأم والأب من الناحيتين الشرعية والقانونية. 
والورقة تصلح وبجدارة لمجلة متخصصة بشؤون الأمومة والطفولة. وقد وضعت الرئاسة هذه الورقة على رأس الأبحاث كنوع من إضفاء الشرعية على عملها وتدليسا لأمر السرقة.
والأوراق التي تلت هذا البحث نصفها كان المجتمع هو المحور فيها وهي على التوالي (التمكين الاقتصادي والأعراف المجتمعية/ التحرّش الجنسي ضد النساء/ جرائم داعش واليزيدية في القوانين الدولية/ قدسيَّة الزواج في الموروث المندائي) والمتبقي من الأوراق تناول موضوعة المرأة بالمفهوم التقليدي الذي يجاري الذكورية في نظرتها المتعالية، أعني النظر إلى المرأة ككيان ضعيف جنسيا ومضطهد عقائديا يحتاج إلى تمكين ودعم ودفاع وتدريب وتعليم، وكل هذا من صلب عمل الروابط والتشكلات السياسية للمرأة التي تنشئها الأحزاب والتنظيمات السياسية أليس في هذا تضييع لهوية اتحاد الأدباء الأدبية؟، ناهيك عن أن الاعتقاد بأنَّ النساء ضعيفات والمرأة بلا هوية ومستلبة حقوقها بلا فكر ولا إرادة، هو بالضبط ما جاءت النسوية لقلبه وسعى الفكر النسوي إلى محاربته. 
ــ الطابع الغالب على الأوراق هو الطابع القانوني من ناحية أن المرأة تتعرّض لممارسات غير أخلاقية مكان مناقشتها ومعالجتها منظمات حقوقية وإنسانية وما أكثرها عندنا مع أنها على كثرتها حكومية وغير حكومية لم تفضِ إلى أي أمر عملي ملموس وحاسم في ما يتعلق بالمرأة وتحسين وضعها المجتمعي والوظيفي والأسري، هذا أولا، وثانيا أن جميعها ابتعدت عن النسوية كثقافة في الفكر الحداثي لها صيغها وممارساتها العالمية.
ــ أما الأوراق التي تضمنت في عناوينها كلمة النسويَّة فأكثرها معاد ومكرور، وهي وإن وظفت أسماء كاتبات ودارت حول شاعرات وصحفيات فإنَّها لم تُظهر اهتماما بالفارق المفاهيمي ولا بالبون النظري بين مصطلحات الأنوثة والأنثوية والنسوية والأدب النسوي ولم تعطِ اعتبارا للفكر النسوي والمراحل التي مرت بها النظرية النسويّة فكانت المغالطات كثيرة. مما يدلل على أنّها مكتوبة على نيَّة غير نيَّة الكتابة النسويّة كالورقة التي دارت حول نازك وريادتها لقصيدة الشعر الحر؛ فهي مما عفا عليها الزمن ومرت عليها أقلام عشرات النقاد منذ أكثر من نصف قرن بدءا من مجايلي نازك الملائكة وأقرانها مرورا بعبد الجبار عباس وعبد الجبار البصري وعبد الرضا علي وخالد علي مصطفى وكاتبة هذه السطور، فضلا عن كثير من الأدباء العرب في المشرق والمغرب. 
ـ إن الشروط التي قيّدتها رئيسة التحرير للنشر في المجلة لم تعمل بها في عدد مجلتها ـــ هذا  إذا افترضنا أنّ المطبوع مجلة وافترضنا أنّ هناك هيأة التحرير نسيت الرئيسة ذكرها ـــ  فشرط عدد الكلمات لم تخضع له بعض الأوراق. ومنها ورقة الكاتبة فاطمة المحسن، أما شرط أن يكون البحث جديدا وغير منشور سابقا والتقييم العلمي والخضوع للاستلال فإنّها لم تطبّق للأسف. 
لأنَّ الأوراق في غالبيتها منشورة على الانترنت، فورقة النهضة النسوية في العراق منشور على الانترنت في قسمين؛ الأول، نشره الكاتب كمقالة على موقع الحوار المتمدن عام 2005، والقسم الآخر نشره كبحث في العدد الخامس من مجلة أوراق ديمقراطية في العام نفسه. أما ورقة (الملكة سمير أميس والأزياء) فبعيدٌ عن النسويَّة وإن كان يتعلق باسم ملكة (سومريَّة!!) وقد قدمته الكاتبة كبحث في اتحاد الادباء مطلع العام 2021، أما ورقة (الجسد النسوي بين الخفاء والتجلي) فبغض النظر عن عدم تفريق الكاتبة بين الأنثويَّة والنسويَّة فضلا عن جمعها الغريب بين نسويات ومفكرات من مراحل مختلفة وبتوجهات نظرية متفاوتة وبعضها متضادة؛ فإنَّ الورقة مستهلكة من كثرة ما شاركت بها الكاتبة في المحافل مع تغيير العنوان؛ فمرة عنونته في مؤتمر السرد الذي عقد في اتحاد الأدباء 2018 بـ (مرويات الجسد في السرد العراقي)، ومرة أخرى عنونته في مهرجان بغداد الدولي للمسرح كانون الاول 2021 باسم (رؤى الجسد النسوي في الخطاب السردي العراقي)، أما ورقة (التحرّش الجنسي..) فمنشورٌ جزءٌ منها في موقع الحوار المتمدن في 3/1/ 2013 تحت عنوان (التحرّش الجنسي وأساليب الوقاية منه) مقالات أخرى منها (ما هو التحرش الجنسي) 4/12/ 2021 ولم تشر الكاتبة للأسف إلى ذلك في هوامش بحثها مع أنه أكاديميا لا ينبغي تهوينه كونه يصب في باب الأمانة العلمية. ولم تكن ورقة (الأدب النسوي وصناعة التفاهة) واضحة الأفكار، فالتبس فيها فهم الأدب النسوي بالتفاهة وضاعت المرأة في خضم الاهتمام بوسائل التواصل وبكتاب نظام التفاهة لمؤلفه ألان أدونو الذي اقتبست منه الكاتبة الكثير من دون أي تطبيق على نصوص الأدب النسوي.  
هكذا تمخّض الجبلُ فولدَ فأرا، فهل لنا بعد كل هذا العنت والتغالط والتجيير والسطو أن نتساءل عن حال مستقبلي يُبشِّر بخير للنسويَّة؟! وهل يستقيم حال المرأة العراقية وهي ما تزال منظورا إليها كيانا ناقصا لا يحق له إلّا ما تريده لها الذكوريَّة التي تحرص بكلِّ قواها أن يكون لها فيه موقع ونصيب؟.  
أخيرا؛ ليس من أسفٍ على مطبوعٍ يحمل اسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب وثلاثة أرباع أعضاء مجلسه المركزي ــ إن لم نقل كلهم ـــ لا يعرفون عنه شيئاً؛ ليكون البون شاسعاً بين ما عندنا من تقاليد محنّطة في فهم النسويَّة وبين ما لدى أمم العالم من تجارب مشرقة في فهم معنى الفكر النسوي والتنظير للنسويَّة.