أقامها مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي.. ندوة عن البيانات الشعريَّة وتحولات القصيدة

ثقافة 2022/03/04
...

  بغداد: محمد إسماعيل
 
عقدت الدار العراقية للثقافة، التابعة لمجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، ندوة نقاشية بشأن «ظاهرة البيانات الشعرية وتحولات القصيدة» بالتعاون مع منصة إبداع اليونسكو، مساء الخميس الماضي، على قاعة مقهى رضا علوان، قدم لها الشاعر حيدر نظير وأدارها الشاعر حسين المخزومي، وحاضر فيها د. سعد محمد التميمي ود. علي جعفر العلاق. 
وتحدث التميمي عن القصيدة وكيف أنها تدفع الشعراء ليطلقوا هذه البيانات، وقال: أريد أن أبدأ الحديث بتساؤلات، منها: هل انتهت ظاهرة الجماعات الشعرية عربياً وعالمياً؟ وهل انتهت معها بالتالي ظاهرة البيانات؟ أين الأجيال الشعرية؟
التي زخرت بها العقود الماضية، في صراعات فنية؟ من أجل النحت في القصيدة، لتثبت الروح الجماعية، في هذه اللحظة، التي كان الشعراء يعملون خلالها كفريق، الآن طغت الفردية، لذلك قد نجد ملامح للبيانات أحياناً في قصيدة، وفي توجه الشاعر.
وتساءل التميمي خلال حديثه: هل هي بيان جيل ما بعد الرواد أو جيل الستينيات؟ ثم توقف عن أن هذه قضية إشكالية، قضية التجييل بعقد زمني.
ويرى أن العقد لا يستطيع أن يستوعب الجيل؛ لذلك جيل ما بعد الرواد كان حاضراً في جيل السبعينيات، كانوا حاضرين في الثمانينيات، وهكذا.. 
وتساءل هل هذه البيانات ظهرت فجأة؟ الإجابة: لا؛ لأنه عندما نتحدث عن الشعرية العربية التي تمتد لأكثر من سبعة عشر قرناً - إذا ما وقفنا عند راي الجاحظ في أن القصيدة بدأت مئة وخمسين عاماً.. قبل البعثة- فإن تاريخ الشعرية العربية مرَّ بكثير مما يمكن أن نسميه «بيانات شعرية لحركات شعرية وأحياناً لشعراء». 
تساءل أيضا عبر حديثه عن حداثة أبي تمام، وتحديث القصيدة، من الداخل، وعن جهد الآمدي عندما حدد عناصر عمود الشعر؟ وعن جهد المرزوقي في مقدمته القيمة بكتابه الحماسة وهو يحدد عمود الشعر بسبعة عناصر؟ وعن تجربة أبي العلاء المعري، التي يمكن أن نعدها رؤية خاصة في القصيدة. 
أما في بداية القرن العشرين فيقول التميمي: هذه المئوية بمثابة مخاض لكن مع الأسف يمر الشعر في القون الواحد والعشرين، بحالة من سبات، قياساً بالمخاض الذي مر به خلال القرن السابق، إذ نلاحظ أن في بدايات هذا القرن كانت الرابطة القلمية في 1916 إلى 1920 قد أنتجت رؤيتها للقصيدة قبل بيان أندريه بريتون الشاعر السريالي والدادائي، البيان الذي تأثر به في ما بعد جماعة شعر في لبنان. 
وتحدث التميمي أيضا عن مصر في الثلاثينيات، وحركة الديوان، ثم جماعة أبولو في العراق حيث البداية من نازك الملائكة في ديوانها «شظايا ورماد» إذ تعد المقدمة البيان الشعري الأول - وإن لم تقل عنه بياناً- إذ تقول نازك «بأن في داخل الشعراء ما ينقل القصيدة العربية الى مصاف نظيرتها العالمية»، وهذه رؤية جديدة قدمت وتحدثت عن تجربتها في قصيدتها «أشياء أخرى». 
أيضاً لا يمكن أن ننسى جماعة «الوقت الضائع» التي ظهرت في الأربعينيات، ولهم رؤية خاصة بالقصيدة وضمت أسماء مهمة، مثل بلند الحيدري وحسين مردان ونزار سليم وغيرهم. حيث قدمت رؤية انطلقت من مقهى، وقضية المقاهي في العراق لها دور ليس فقط من حيث إصدار البيانات التي تمثل الفكرة التي احتضنها زمن معين بل نؤرخ عبرها.
وتحدث د. سعد التميمي عن جماعة الوقت الضائع، وجماعة مجلة شعر، وركز عن النقد والتخلص من أبوة الرواد وتحديث الصور والبعد المعرفي، وكذلك تأثير الانقلابات العسكرية على ظهور مصطلح البيان الشعري.
 
التضاد والتناقض
أما د. علي جعفر العلاق، فتساءل في بداية حديثه قائلاً: لماذا يكتب الشعراء بياناً ولا يكتفون بقصائدهم؟ البيان مزيج من ذكرى ووصف وحلم، يستمد نسقه من موروث الشاعر وموقفه من نصوص قرأها ومعرفة المطلوب من النص الشعري، مشيراً الى إشكالية في نص الستينيات وهي أن «البيان الشعري لم يصدر عن اتفاق مسبق بين الموقعين عليه.. لعبت الصدفة لعبتها في مجاملة ومجاراة، من بدايته إلى نهايته لفاضل العزاوي، وهو الشاعر الوحيد من جيل الستينيات الذي تنطبق فقرات البيان الستيني على قصيدته، وهو الشاعر الستيني الوحيد الذي ظل يكتب قصيدته وفق مواصفات البيان الشعري، أما الآخرون فتفرقت بهم المنافي، أول اصطدام هو كتابته في ظل بداية النظام الديكتاتوري، بعد عام من انقلاب 1968 حيث تفاوت الموقف الأيديولوجي والمزاجي بين سامي مهدي وفاضل العزاوي، وتحول إلى مأزق، فاضل ذو نزعة غربية منفلتة، وسامي ملتزم قومياً، وخالد علي مصطفى أوسع الستينيين ثقافة.
وأضاف: مثلما مجلة شعر حاضنة لقصيدة النثر، أرادوا مجلة «شعر 69» حاملة لتطلعاتهم، لكن صدرت أربعة أعداد منها وتفرقوا» موضحاً: «حلها التضاد والتناقض بين هيئة التحرير فاضل وسامي وخالد، كل ذهب في سبيل تجربته الخاصة، وتعملقوا كشعراء ونقاد.
 
تهديم الزمن
يعتقد الشاعر جواد الحطاب، أن: البيانات تتوزع بين قسمين، الأول شعري مشترك ينم عن وعي تجديدي تراد منه إضافة للشعرية العراقية والتجربة الشخصية، وهنا يمكن تشخيص البيان الستيني الذي أحسب حتى اختلافاته المنهجية أو الشخصية كانت تصب في صالح الشعر، وقسم آخر يمكن أن أسميه «إشهاري» لا غير من دون هم جامع، ولا رأي ينادي بالطرح أو التغيير وهذا القسم تشظى كثيراً؛ حتى لا يمكن – بالنسبة لي – الوقوف عنده.
أما د. زهير الخفاجي فقال: البيانات الشعرية، ليست بدعة شعرية عراقية، لكنها ممارسة أدبية تعارفت عليها الكثير من التجارب الإبداعية» مضيفاً: «لا أغلي أو أظلم أحداً حينما أقول إن أغلب البيانات الشعرية كانت مغامرات من جيل المبدعين». 
يعتقد الخفاجي أن بيانات الأجيال الشعرية عبرت عن تمرد فكري، فالملاحظ أن الستينيين لم يوفقوا بكتابة قصيدة تلبي طروحات بيانهم، تلاهم بيان السبعينيات الذي أعلن براءته من الستينيين والرواد الخمسينيين، بالرغم من أنهم اقتفوا أثرهم» مرجحاً أن «البيانات الشعرية وفق هذا التوصيف، لم تكن بريئة من فكرة التمرد أو تحديث خطاب المجموعة عن غيرها من أبناء الجيل نفسه». 
وتحدث د. محمد ونان عن الحداثة، وقال، هي «تهديم السابق وإيجاد بديل على أنه تجديد، وهو أفضل من الحداثة، الآن انفلتت القصيدة، وفقدنا السيطرة عليها، كل يدعي وصلاً بليلى حد الاستهزاء، ملمحاً إلى أن «أغلب البيانات سياسية؛ لأننا في العراق نتاج نظريات شمولية وإسلامية وأممية وقومية». 
وأضاف أن «جماعة التسعينيات كتبوا قصيدة الشعر، مطبقين ما لم يستطعه الأوائل». 
أما الناقدة د. موج يوسف فتحدثت عن جذور البيانات الشعرية وعودتها إلى العصر العباسي، وقالت «عندما ثار شعراء الحداثة، الذي أشار إليهم أدونيس: أبو نواس وبشار بن برد ومسلم بن الوليد وغيرهم من شعراء خرجوا عن عمود الشعر، لكن بياناتهم جاءت عبر شعرهم، وليست على شكل بيان رسمي. وتابعت بقولها «تحولت البيانات إلى المغرب والأندلس، خارجين على القافية في الموشحات الأندلسية، فنتج شكل ومضمون الشعر الغنائي».
وأشارت إلى أن كل هذه التحولات دلالة التطور الاجتماعي والثقافي، خاصة أن العراق يكاد يكون البلد الأكثر إصداراً للبيانات الشعرية، بسبب البيانات العسكرية وتلاحق الانقلابات، التي ترسي دعائم الحكومة وتسهم بترسيخ
الانقلابين.