كيف تُبنى الدول الحديثة؟

آراء 2022/03/06
...

 وليد خالد الزيدي 
 
الماليَّة والدين والمشورة والعدالة, أربع ركائز مجتمعة تستند إليها الدول الحديثة, من وجهة نظر مفكرين وفلاسفة وعلماء, وبالوقت نفسه يمكن أن تسقطها مجتمعة, أو فقدت إحداها, لأن كل واحدة منها حلقة متصلة ببقية الحلقات بشكل وثيق, ولو وضعت تلك الركائز في وعاء بشري يشترك فيه رجال مؤمنون بحتمية الانتصار لشعبهم والعمل على خدمته بشكل سليم, يؤسسون خطوطا مستقيمة لافكارهم, يرسمون صورة واضحة تعبر بصدق عن حاجات مجتمعهم, ستقوم الدولة بمهامها, على أكمل وجه, وينهض الشعب بما يستوجب ان يقوم به لخدمة بلده ويعضد عمل قادته في إدارة شؤونه بصور مثالية، تجد طريقها للتكامل والانعتاق نحو أملٍ مشرقٍ ومستقبلٍ أكثر 
طمأنينة. الماليَّة, هي منافع الانسان في ثروتهم, وهنا لا نريد أن نتحدث بخصوصية عما موجود في بلدنا من ثروات ضخمة وإمكانيات هائلة, فتلك المسألة واضحة, لكن حينما نأخذ الحديث باتجاه أفقر البلدان على فقرها, نرى كل ما موجود فيها لو وزع بتوازن مطلوب وحفظ حقوق الناس في الغذاء واللباس والسكن, سيكون الناس سعداء والدولة تستمد شرعية وجودها من تلك السعادة, فيعيش المجتمع بكرامة, ومشاركة واسعة في توزيع الثروة, وضبطها بعدل وقسطاط مستقيم, في مجالات الحياة الاقتصادية, والنظر بعين الاحترام لمستوى معيشة الناس, ورفع الجور عنهم, فالتصرف بالمال العام يحتكم لمصالح العباد في المعاش والسبات, لكي لا يختل نظام الدولة العام, فيصبح نظاما ارستقراطيا مستبدا يكون عرضة للسقوط بأقرب 
مناسبة. 
والدين الذي ينبغي أن نميزه عمن ارتدوا لباسه, فالحكمة تقول إن كلَّ دين صحيح طالما هناك قوة سماوية مقدسة لها سلطة غيبية روحية عقائدية على كل من سكن الارض, تحد من افتراط شهوته, تأخذ طريقها لاعتدال مزاجه, فالنفس إمّارة بالسوء وميالة للاستحواذ من دون حكم مبجل ولاسلطان منزل, وقدر الله تعالى للنظام البشري ليستند الى الدين الحقيقي والمنوط بنوع البشر وصدق ايمانهم وبقائهم الى قيام الساعة, مبنيا على احترام الانسان لنفسه ولغيره, وهنا لا نقصد بالدين مظاهره وصوره وسننه إنما التعامل الحسن مع الناس, وكما قال تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين...) أي ثبات طاعة الله في القلب,والمراد بـ»البر»اسمٌ جامعٌ لأنواع الخير والإحسان والعمل 
الصالح.
أما المشورة, أخذ رأي الناس, فشعوب الدول الحديثة لن تفوت فرصة لتوحيد مشاعرها وتوثق قواها وتجمع طاقاتها, وذلك لم يحدث ما لم تسر آراءها تجاه ما يهمها, وإن كانت على شكل جنسيات وقوميات وطوائف وأديان, غنيها وفقيرها أبيضها وأسودها عربها وعجمها, فالكل يتمثل لجادة المنطق متمسكا بالرأي السديد والحكم الرشيد.  (العدالة) باستقلال مصادرها, ورشد رموزها, ورجاحة شخوصها, كفيلة بنماء الدولة لكي لا تخرج من العدل الى الجور ومن الرحمة الى النقمة ومن المصلحة الى المفسدة ومن الحكمة الى العبث, فشريعة الحكم من العدل في عباد الله والرحمة في خلقه,وظله في أرضه, وسيادة المصالح العامة, على بقية المصالح.