الاتجاهات الحديثة في قرارات المحكمة الاتحادية العليا

آراء 2022/03/06
...

  القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
 
مما لا شك فيه أن النصوص الدستورية مهما بلغت درجة سموها وعلوها، الا أنها قد تثير نوعا من الجدل حول مضمونها لما قد يعتريها من غموض ولبس، مما يتعين معه وجود جهة مختصة قادرة على القيام بهذه المهمة الجسيمة إذا ما ثار نزاع بين إقليم معين وآخر أو بين سلطة معينة وأخرى، حول مفهوم هذه النصوص لذلك فإن القضاء سواء قيامه بالتفسير أثناء نظره لمنازعة معينة او بناء على دعوى أصلية، فإنه يلعب دورا مهما في تفسير القواعد الدستورية، فالقضاء الدستوري حاجة لا بد منها ولا قضاء دستوريا فعالا، دون اعطائه صلاحية تفسير الدستور، احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات وتفسير النصوص الدستورية، يؤدي إلى تحديد المعايير الدستورية الذي ينطوي عليها بغض النظر عن ارتباط هذه المعايير بحالة محددة، وبما أن الدستور هو أساس المنظومة القانونية في الدولة ونصوصها تكون غامضة، لذلك يتضمن مبادئ عامة ترتكز في بعض الأحيان على أسس فلسفية وأخلاقية، مما يجعلها غامضة وغير دقيقة وإن قدرة تفسير النصوص الدستورية الغامضة وتفسير القواعد الدستورية تفسيرا دقيقا تنطوي عليها وتعطي مؤشرات وليس حججا دامغة لا جدال فيها، لأن الطرق المعتمدة في تفسير النصوص عديدة ويبقى القاضي الدستوري أن يختار بين معانٍ عدة بشكل 
موضوعي.
وقد أناط الدستور العراقي النافذ لعام 2005 في المادة (93/ ثانيا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا صلاحية تفسير النصوص الدستورية، وأن مبدأ سمو الدستور لا يمكن أن يظهر إلى الوجود اذا لم تلتزم كل السلطات في الدولة بأحكامه ولم تخالفها، فالرقابة الدستورية تمثل الضمانة التي تكفل احترام القواعد الدستورية وقد أصدرت المحكمة الاتحادية العليا مؤخرا الكثير من القرارات، التي عالجت الكثير من القضايا الدستورية المهمة، ومنها القرار الصادر بعدم دستورية المادة (25/ ثالثا) من قانون بيع وإيجار أموال الدولة والتي كانت تسمح بالاستحواذ على العقارات المملوكة للدولة من دون وجه حق، وإلغاء الأمر الديواني رقم (29) لسنة 2020 الخاص بتشكيل لجنة تحقيقية في قضايا الفساد والجرائم المهمة، وذلك لمخالفته لأحكام المادة (37/اولا /1) من الدستور العراقي، والتي تضمن حماية حرية الإنسان وكرامته ولمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليها في المادة (47) من الدستور، ولمبدأ استقلال القضاء واختصاصه بتولي التحقيق والمحاكمة المنصوص عليها في المادتين (87و 88) من الدستور، ولغرض تفعيل الدور الوطني وتحقيق المساواة والحفاظ على الوحدة الوطنية للمكونات الأيزيدي والشبكي والكرد الفيليين، فقد قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية تمثيل تلك المكونات في مجلس النواب ووجوب مساواتهم مع المكونين المسيحي والصابئي، وأن القرارات الاخيرة التي أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا تسهم في تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، حتى تستطيع كل سلطة أن تمارس مهامها وبشكل لا يتعارض مع عمل السلطات الأخرى، وكذلك يؤدي إلى حماية حقوق الأفراد من أي تعسف قد يصدر من أي سلطة، وفي الوقت ذاته يسهم في عملية انتقال السلطة بشكل سلمي، مما يؤدي إلى استقرار أوضاع الدولة واستقرار الأوضاع القانونية لها، لذلك وجدنا المحكمة الاتحادية العليا ترسم بشكل واضح معالم العمل بالدستور، من خلال آلية الترشيح إلى منصب رئيس الجمهورية، لذلك لا بدَّ من سلطة مستقلة للنظر في المنازعات التي تحصل بين سلطات الدولة وإيجاد الحلول لها، في إطار الدستور والمشروعية، لذلك أوكلت هذه المهمة إلى المحكمة الاتحادية 
العليا.