في يوم المرأة.. نساء ضد النساء

آراء 2022/03/07
...

   ميادة سفر
 
لم يحلْ تخصيص يومٍ للمرأة من قبل منظمة الأمم المتحدة في الثامن من شهر آذار، من دون تعرضها للظلم والاعتداء على مدار العام، كما لم يستطع هذا اليوم وجميع الحملات والمؤتمرات والصرخات أن تغير تلك النظرة الدونية تجاه المرأة من قبل البعض "ذكوراً وإناثاً"، واعتبارها ضلعاً قاصراً تارة! وناقصة عقل تارة أخرى! والتشديد على تبعيتها للرجل أياً كانت صفته، أبا أو أخا أو زوجا وحتى ولدا، والتشبث والتمسك بالتعليمات والموروثات الدينية والاجتماعية وحتى السياسية في بعض البلدان، لإبقائها تحت جناح الرجل، وفي النسق الثاني، ومنعها من رؤية الضوء، أو اللحاق به. 
بما أنّ العالم يحتفي باليوم العالمي للمرأة هذه الأيام، وبما أنّ الاتهامات توجه عادة للرجال بأنهم ضد تحررها وسبب ظلمها وقمعها، وعادة ما يطلق على تلك التصرفات والسلوكيات والأفعال والأفكار تسمية "الذكورية"، على اعتبارها صفة مرتبطة بالرجل من حيث هو ذكر وفقاً للتقسيمات الجندرية، لكن هل حقاً تقتصر الذكورية على الرجال؟
ألا توجد نساء ذكوريات؟ باستقراء سريع للواقع الاجتماعي بشكل عام في كل البلدان العربية وغير العربية، نجد فئة لا بأس بها من النساء المسحوقات تتلبسن لبوس الذكر، وتتبرأ من بنات جنسها، وتتبنى القيم الذكورية وتحارب بسيفها وتُسلطه على رقاب النساء، وتصرخ بأصوات الرجال، وتتبنى مواقفهم وتعليماتهم وأوامرهم، على نحو أعمى، حتى وإن كانت تقلل من قيمة المرأة وتصادر شخصيتها، وتمارس مزيداً من القمع عليها، كل ذلك رغبة في استرضاء الرجل ولفت انتباهه وتلقي الرضا والقبول منه، وربما لأسباب أخرى كالغيرة وسواها. وهكذا تساهم مع الرجل في تعميم قيم الذكورة من خلال تسويق ما يفرضه الرجل لدى بنات جنسها.
تلك الشريحة من النساء التي أردت الحديث عنها بمناسبة يوم المرأة، لا تقتصر على القبول والرضوخ شخصياً، وممارسة القمع على ذاتها، وتقييد حريتها، بل تتعدى ذلك إلى محيطها، وفرض تلك الأفكار والممارسات على غيرها من النساء، ضاربة عرض الحائط بحقهن بممارسة حياتهن كما يشأن ويرغبن. 
والأسوأ من كل هذا أن هذه الشريحة تعتقد أن ما يمارس عليها من قمع وتضييق إنما غايته حمايتها، بل وتشعر بالأمان وهي راضخة مقيدة، وأنّ كل ما يفرض عليها من لباس وتصرفات وممنوعات ومحرمات، إنما شرع لحمايتها من التحرش والاعتداء والاغتصاب، علماً أن أكبر نسبة تحرش بالنساء تظهر في الدول الأكثر تشدداً ومحافظة، لذا فإن تلك الحجج واهية ولا أساس واقعي أو منطقي لها! أكثر من هذا، إن هذه الفئة تعتبر أن ما يقوم به ذكور الأسرة إنما يراد منه الحفاظ على شرفها وسمعتها من التلوث، في مجتمع يحصر شرفه بالمرأة، وتراها تعيش راضية بقسمتها ونصيبها من مجتمع أبى إلا أن يفرغ عقده النفسية في جسدها، حتى أنها تتلقف ما يقدم لها بامتنان وشكر وعرفان، وكأن الرجل أو المجتمع أو السلطة السياسية والدينية تتفضل عليها بما تمنحه لها من حقوق. 
وفي هذا السياق، لا بدّ من القول إن تبني مفاهيم وقيم الذكورة عند بعض النساء وتعميمها، ليس إلا تأكيداً مضافاً على أنها ضحية هذه السلطة والمجتمع، وضحية منظومة قيمية وأخلاقية عرجاء لا يمكن لها إلا أن تزيد الطين بلّة بكل أسف!. 
اليوم، لم يعد مقبولاً أن تستمر تلك النظرة إلى المرأة، ولا حتى إلى الرجل، فكثير من الرجال هم نسويون أكثر من المرأة بحد ذاتها، ومدافعون شرسون عنها، بينما تقبع بعضهن في قمقم العادات والتقاليد راضية مرضية، بل شاكرة وممتنة لإعطائها بعضاً من فتات الحياة، لا بدّ من تغيير أكثر عدالة وإنصاف، والأهم أكثر إنسانية.