لئلّا تصبح التوافقيَّة تواقفيّة

آراء 2022/03/09
...

  أ.د.عامر حسن فياض
تعرف التوافقيَّة بدلالة التقابل مع الدستورية. وهذا التقابل أما أن يكون تقابلا ايجابيا تفاعليا مع الدستورية، او تقابلا سلبيا تعارضيا للدستورية، في حالة التقابل الإيجابي التفاعلي بين الممارسة السياسية التوافقية والسياقات الدستورية، فإن حضور الدستورية ينبغي ألا يغيب التوافقية. 
 
إما في حالة التقابل السلبي التعارضي بين الممارسة السياسية التوافقية والسياقات الدستورية، فإن حضور الدستورية ينبغي أن يغيب التوافقية. بمعنى أوضح، أن التوافقية التي تتعارض مع الدستورية ينبغي ان تكون غائبة دائما، لأن التوافقية وجدت كي لا تعرقل الدستورية، وبإمكان الدستورية أن تعرقل أو ترفض او تتخطى او تتجاوز التوافقيَّة. 
باختصار أن كلَّ بداية توافقية ينبغي أن تؤدي إلى الدستورية، ولا يشترط أن تؤدي الدستورية إلى التوافقية.
فمتى نحتاج الى التوافقية بهذا المعنى وليس غيره، (أي بمعنى التقابل الايجابي التفاعلي مع الدستورية)؟
إن التوافقية الإيجابية ستكون مقبولة حين: 
- لا تعرقل السياقات الدستورية بل تنتهي اليها. 
- تسد الفراغ الدستوري أو العوز التشريعي.
- تتنازل جهة سياسية طوعا عن استحقاقاتها الدستورية الجهوية لصالح الثوابت والاستحقاقات الدستورية 
الوطنية. 
وغير ذلك فأن التوافقية تصبح تواقفية، وليس توافقية من جهة، وتصبح تعارضية وليس تفاعلية من جهة أخرى، وتصبح سلبية وليست إيجابية من جهة ثالثة، وتصبح لا دستورية من جهة رابعة.
وبقدر تعلق الأمر بالتدابير السياسية التوافقية التفاعلية، التي حصلت في العراق فإن العلامات الايجابية المؤشرة تمثلت بالتوافقية الايجابية في تنصيب رئيس مجلس النواب ونوابه. 
ونحن في انتظار علامة إيجابية أخرى لهذه التوافقية التفاعلية في تنصيب كل من رئيس الجمهورية وبعده رئيس واعضاء مجلس الوزراء، فكيف يمكن تلمس هذه العلامة الإيجابية؟.
إنَّ التلويح المسبق من طرف برفض او وضع خط أحمر أو العزوف عن حضور جلسة لتسمية الكتلة النيابية الأكبر عددا لمرشحها، لا يؤدي الى مثل هذه العلامة الايجابية. 
وإن عملية التنصيب لرئيس مجلس الوزراء تعتمد ثلاث خطوات دستورية، حددتها المادة 76 من الدستور هي تسمية وتكليف ومنح ثقة، الخطوة الأولى (التسمية) هي من مسؤولية الكتلة النيابية الاكبر عددا، والخطوة الثانية (التكليف) هي من مسؤولية رئيس الجمهورية، والخطوة الثالثة (منح الثقة) هي من مسؤولية أعضاء مجلس ا
لنواب. 
في الخطوة الأولى (التسمية) لا ضير ولا ضرر من استحضار التوافقية ما بين أعضاء الكتلة النيابية الأكبر فقط. وفي الخطوة الثانية (التكليف) فإن التوافقية بشكليها التفاعلي الإيجابي والتعارضي السلبي لا تستحضر ولا تشتغل. 
بينما لا ضير ولا ضرر من استحضار التوافقيَّة في الخطوة الثالثة (منح الثقة) ما بين الكتل النيابية جميعا، طالما أن الخطوات الثلاث تتم في النهاية بما لا يتعارض والسياقات التي حددتها المادة 76 من الدستور بهذا
الشأن. 
عندها لا داعي للتلويح او الاعلان المسبق من هذا الطرف او ذاك بالرفض، أو وضع خطوط حمراء او صفراء على هذا المسمى ثم المكلف أو ذاك، فمن يريد منح الثقة او عدمها له كل الحق، بيد أن هذا الحق ينبغي أن يستخدمه تحت قبة مجلس النواب لا خارجها، وفي الجلسة المخصصة لمنح الثقة لا قبلها ولا بعدها.