ستراتيجية تفتيتية أم هو فن الحرب الجديدة ؟

آراء 2022/03/09
...

  د. عبد السلام الجبوري
 
يعلم جيداً قراء التاريخ ومدونيه سيما المعاصر منه أن منطقتنا العربية من أكثر المناطق التي تعرضت للاستعمار وناضلت شعوبها طويلاً من أجل خروجه منها وأعطت الكثير من الضحايا قرابيناً لتحصل على الحرية ولكنها لاتعلم أن الاستعمار عاد بطريقة أخرى ومن أبواب أخرى تحت ذريعة تبديل الأنظمة الدكتاتورية الشمولية إلى أنظمة ديموقراطية تم تصنيعها في مختبراتهم بالاعتماد على مجموعة حلقات تمثل في مجموعها حلقات البناء المجتمعي وأواصره التي يجب تفتيتها للتغلغل من خلالها والوصول إلى المبتغى الذي يريدون ومن ثم السيطرة على مقدرات تلك الشعوب كنوع جديد من الاستعمار دونما إراقة أي قطرة دم من جنودها فاختارت سبلاً أكثر حداثة من السبل الكلاسيكية المعتمدة على الحروب التقليدية والاستنزاف المادي والبشري.. وكان أولها هو إحياء الصراعات القبلية والإثنية والدينية تحت ذريعة المكونات الأساسية للشعوب ومن ثم تركز السلطة والنفوذ بيد مجموعة على حساب الآخرين..وجاء ذلك بعد أن استنزفت تلك الشعوب وأهدرت جميع فرصها المثالية وطاقاتها البشرية والاقتصادية في ظروف سابقة بسبب حروب عبثية مخطط لها سلفاً من قبلهم.
أنهكت خزائن الدول العربية.
ولم يتوقف الأمر عند حدود الحروب بل أنها دخلت إلى المنطقة من باب العولمة ونظامها بجميع أبعاده العلمية والثقافية والصحية وحتى الفنية وربط ألأنظمة الجديدة بالنظام العالمي قسراً من خلال سلسلة طويلة ومعقدّة بدءاً باستيراد التكنولوجيا ومنع إنتاجها محلياً وخلق فجوى تنموية عميقة بين الواقع المحلي والواقع العالمي المتجه نحو الحداثة العلمية بسرعة الصاروخ ومن ثم عمل مجال سياسي واقتصادي واجتماعي جديد من خلال قطيعة معرفية بالموروث الحقيقي والأصيل لهذه الشعوب وربطها بمفاهيم معرفية حداثوية جديدة وخلق فوضى فكرية غايتها التشكيك بكل ماهو أصيل وأيضا تحت مسمى التحديث فأنتجت منظمات ومؤسسات غير رسمية تحت مسميات وعناوين براقة العاملون فيها لايعلمون من يديرها أساساً ولامن يمولها وأغلبها ذات طابع إنساني واستدرجت فيها أعلاماً ومفكرين ومثقفين كانوا بالأمس أعمدة وأساطين المعرفة والثقافة العربية بموروثها اللغوي والديني من خلال التسامح والإصلاح كعنوان وفي حقيقته هو تجاهل لموروث حقيقي وصناعة موروث مستحدث خال من الأصالة والانغماس التدريجي في مشروع شرق أوسطي كبير.نعم هكذا أدرك الاستعمار الجديد أهمية الهوية الوطنية وركائزها الأساسية كاللغة والأدب واتهامها بين الحين والآخر بالثقافة الجامدة والمنطوية على نفسها من خلال إدخال مفردات جديدة في النظم والشعر  والأدب بشكل عام وإدخال المصطلحات الأجنبية في الحوارات وغيرها تحت شعار الحداثة أيضا ...هذا جزء يسير جداً من فن الحرب الجديدة التي يستعملها المستعمر القديم أيها السادة وربما كانت أحداث 11 سيبتمبر نقطة الإنطلاق  وليست 
البداية.