لا أولويَّة تعلو على زيادة الإنتاج

آراء 2022/03/09
...

   رزاق عداي
 
كان فلاديمير لينين الرئيس الأول للدولة السوفتية السابقة، لا يخفي إعجابه نحو اجراءات الصاعي ورجل الأعمال الأميركي الشهير (هنري فورد)، خلال العشرية الثانية من القرن العشرين التي شهدت ما يسمى بالإنتاج الكبير في إعقاب اندماج الكارتلات الصناعية الكبيرة، وكان الأخير مؤخذا بفكرة (مجتمع الرفاه)، التي سعى منظرو الليبرالية الايدولوجيون التنظير لها بدوافع عقلانية حسب ما كانوا يدعون، وهي تحقيق مستويات معيشية وتحسين حياة الطبقات الاجتماعية جميعها بلا استثناء في إطار القوانين الرأسمالية ذاتها، وخاصة الطبقة العاملة التي كانت آخذة بالنمو والتضخم وباتت تشكل النسبة العالية لسكان البلدان الصناعية، والحقيقة أن مفاهيم فورد في هذا المجال لم تكن مجردة او وليدة ساعتها إنما ارتكزت على مقدمات وصيرورات سابقة، منها كتاب المفكر الاقتصادي (ف - و تايلر )، الذي كان يصف زيادة جذرية في الانتاج، وتنظيم العمل حسب معايير محددة من حيث دراسة عاملي الوقت والحركة،  إلا أن ما ميز مفاهيم (فورد) أنها استشرفت المستقبل حسب قاعدة اقتصادية عقلانية تقول إن زيادة الانتاج الكثيف تعني زيادة الاستهلاك الكثيف، أي إنه لم يكن داعية إنسانوي يوتيبي، إنما هو يعتقد أن النظام الراسمالي لكي يتطور فإن عليه أن يحسن آليات عمله باستمرار، أما كيف جرى وضع النظام الفوردي موضع التطبيق، فهذه قصة طويلة ومعقدة، وتمتد إلى حوالي نصف قرن سابقة، قامت على مجموعة قرارات من أفراد وشركات، ومؤسسات وبعد من الدولة، ولم يكن الكثير منها مخططا له، بل ردات فعل اضطرارية على اتجاهات التأزم داخل الرأسمالية كما تجلت، خصوصا في فترة الركود الكبير في الثلاثينات، اما قبل (الثورة الفوردية) كما كان يعجب البعض أن يطلق عليها، فكانت التجربة الألمانية التي اعتبرت أنموذجا يذكر لغاية اليوم، عندما تحققت الوحدة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر متخلصة من الأطر والقوانين الإقطاعية الضيقة، منطلقة بسرعة في فضاء الإنتاج الصناعي الكبير، حتى أن إنتاجية العامل الالماني في ثمانينات القرن التاسع هي الأولى عالميا، ثم كانت تجربة اليابان بما كانت تسمى بالاستثمار البشري، التي تعني إطلاق الطاقات الانتاجية بأْقصى سرعتها في سباق مع الزمن كانت تحتمه المرحلة الكونية آنذاك، اما اليوم فالمعايير والمؤشرات السنوية لتقدم البلدان تقاس بمديات النمو الانتاجي المتحقق والمقاس بمعادلة رياضية رصينة، تقرر مدى الانتاجية المتحققة لمختلف قطاعات الاقتصاد، وهذه الصين الاشتراكية أثبتت هيمنتها على السلسلة الثانية من سلاسل الانتاج العالمي، وباتت الأسواق العالمية، دون استثناء، زاخرة بالسلع الصينية بما في ذلك السوق الأميركية ذاتها، خصوصا عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية التي سمحت لها بغزو العالم سلعيا.
 الدول البطيئة في مضمار السباق الانتاجي العالمي،هي تلك الدول التي ما زالت سادرة في نومها، ولم تنتبه إلى أساس الفاعلية الانتاجية في هذا المضمار، فالكثير من الدول في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية تفهمت العلة المحفزة في تقدم الدول، إذ بدأت تدرك العلّة الأساسية في تقدم الدول، فشرّعت في تحسين ومضاعفة الإنتاج ومغادرة الأساليب القديمة الريعية القديمة، وانفتحت نحو آفاق رحبة على مستوى تنوع الانتاج، فدولة (الفيتنام) مثلا التي كانت تعيش على نمط زراعي ريعي وحيد هو (الرز)، تمكنت من كسر هذا التقليد لتؤسس قاعدة صناعية تتمثل في شركات كبرى للاتصالات باتت ذات سمعة دولية متقدمة، أخيرا سواء كان فورد الأميركي خلال النهوض الانتاجي الكبير أو اليابان وألمانيا أو الصين الاشتراكية او سنغافورة او ربما اثيوبيا اليوم وحتى الصومال غدا، سيكون المؤشر الحاسم في تقدم الدول هو الإنتاجية المضافة، وليس الريع الوحيد مهما تعددت أشكاله.