الدولة الحامية والدولة الراديكاليَّة

آراء 2022/03/11
...

   فلاح الاميري
إنَّ حماية أمن المواطن ومكافحة الإرهاب هما المسار الصحيح لتطبيق حقوق الإنسان في العراق، العراق البلد ذو النظام الديمقراطي. وإنَّ الارهاب بشكل عام يعطي صورة واضحة لإنكار الديمقراطية وحقوق الإنسان وهما الأهداف الرئيسية المرجوة من الدولة العراقية الحديثة السعي من أجلها، لضمان أمن ورفاه الفرد العراقي كما جاء في بنود وفقرات دستوره الجديد.
وأيضا كما جاء في قرارات الحكومة ومتبنياتها حول مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله بدون استثناء بوصفها تمثل الأشكال القصوى للإجرام.
فالدولة ومن خلال أجهزتها الأمنية مسؤولة عن حماية كل الأشخاص المقيميين داخل أراضيها من ظاهرة الارهاب وتجري هذه المسؤوليات ضمن المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك ضمان الحق في الحياة والحق في الأمن وبقية الحقوق والحريات العامة الاساسية. 
 
الدولة الراديكالية:
يتوجب على الدولة الاعتماد على خطة شاملة لمجابهة الإرهاب والتركيز على الوقاية من التطرف والتطرف العنيف اي بتحديد الأسباب المؤدية إليه وليس الوقوف على المجابهة العسكرية، بعد تفاقم المشكلات فتكون قد قتلت الفتنة قبل ولادتها وراعت حقوق الإنسان وحدت من انتشار الفكرة أو بمعنى آخر لم تعطِ فرصة للتفكير في أمر راديكالي وفق القانون، بدل إنفاق على سبيل الفرض منه وحدة مالية على عملية عسكرية بالإمكان إنفاق وحدة مالية واحدة على عمليات الوقاية من الإرهاب ما قبل الصفر.
لكن المصداق لهذه الشمولية في مكافحة الإرهاب غير متوفرة فيما إذا فكرنا أن تكون هناك خطة شاملة ناجحة، فالدولة من خلال أجهزتها وهذه الأجهزة هي التي تشكل وترسم شكل الدولة. فكل المصاديق في الأداء (الا ما ندر) تشير الى أن جزءاً يقع على أداء هذه الأجهزة والجزء الآخر على سياسة وتطرف عنيف يصدر من هنا وهناك انعكاس لأداء الدولة.
 
ولادة التطرف:
مع وجود مشكلات متعددة وهي طبيعية في المجتمعات من أثر التغييرات السياسية والاقتصادية والديمغرافية تزاوج الدولة هذه المشكلات بمشكلات أخرى، من خلال شيطنة المجتمع باجتهادات فوق القانون من قبل مؤسسة أو أفرادها او حتى قانونها، ثم تفتح الفرص لتكاثر بكتيريا التطرف لوجود الحواضن الفكرية في المجتمع مع الجهل في قافلة الوعي، ثم تأتي النتائج المتكررة بصورة تطرف عنيف بين الجميع سلوكا وأفكارا وإرهابا دمويا، ليزيل الثقة ويحددها ويحجمها بين المواطن والدولة، وقد لا يقف هذا الحد بل تكون الدولة عدوا ليكون فجوة بين المواطنة من جهة ومن جهة أخرى يشكل إرهابا دمويا.
 
ستراتيجية وئد التطرف:
الدولة هي الأب الراعي وهي الأم الحاضنة وإن السلوك الذي تتخذه في سياستها من خلال إنفاذ القوانين يعطي بالأخير صورة المجتمع الأخيرة، والأجزاء الأخرى منه هي صورة للعادات والتقاليد والأديان والأخيرات هن متغيرات تتخذ حدودا تقف عندها بصدمة قوة من القانون وسياسة الدولة مهما كانت هذه السلوكيات للأعراف والأديان تبقى حبيسة إنقاذ القانون.
لكن الأمر لا يقف عند القانون والسياسة للدولة قدر متعلق الأمر بالمقاربة لهذه السياسة او القانون والقرارات مع النوع الاجتماعي، وأبعد نقاط في عمق السلوك للمواطن النابع من هذه الأديان والأعراف والموروثات، أي يبقى المواطن اللاعب المهم في هذه الستراتيجية، وهو الشريك الأساس من خلال المجتمع المدني فلا تكون ستراتيجية أحادية تدار من قبل الدولة ما لم يكن إشراك المجتمع في تطبيق سيناريوهاتها. 
 
خط الشروع:
جرت بعد عام 2003 الكثير من الاحداث وصلت الى أعلى النقاط في مؤشر قياس الإرهاب والتطرف العنيف، وهذا يسهل عملية خط الشروع فيوضع استراتيجية مكافحة التطرف العنيف او مكافحة الارهاب، فبعد دراسة اي حدث منها ممكن الخروج بدراسة واقعية وليست مستوردة محلية.
فالأب الراعي والأم الحاضنة هي المسؤول الرئيس في ترتيب البيت وأمن مواطنيها وهي أدرى كيف يجب أن تدار الأمور والبدء من الداخل في الترتيب والتنظيم، كي تعود الثقة لدى الشريك (المواطن) وترتفع نسبة (المواطنة)، فليس من الممكن أن يكون الحامي فارغ المحتوى والمواصفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ففاقد الشيء لا يعطيه. 
 
ماذا يجب:
إعداد الأجهزة الأمنية حول قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية بالتعاون مع المجتمع المدني، ويجب تطبيق أولويات ومعايير حقوق الإنسان والديمقراطية عند تنفيذ القانون، والإسراع في التشريعات التي تحمي او تعطي الحقوق والحريات وتدعها، كما لا بدَّ من فتح قنوات ارتباط بين المواطنين والمؤسسات الأمنية والمجتمع المدني وإشراكهم في صياغة ورسم الساسة الأمنية. 
إن اعتماد التحليل الاستخباري الدقيق في تحليل المشكلات وأسبابها لموضع خطط ومعالجتها والوقاية وبالتعاون مع الباحثين الأكاديميين يعطي رؤية أوضح في عملية التخطيط الستراتيجي الوقائي. ومنها يمكن اعتماد التقارير والدراسات وأوراق السياسات العامة التي يصدرونها للمجتمع المدني في التحليل الاستخباري.
اما من جانب المؤسسة المجتمعية الأمنية فيجب توسيع صلاحيات الشرطة المجتمعية في الوقاية من التطرف، فضلا من الوقاية من الجريمة والارهاب، بفتح مركز دراسات في الشرطة المجتمعية بشكل خاص والاجهزة الامنية بشكل عام بالتعاون مع جامعة البصرة، لدراسة الجريمة حسب النوع والبيئة والمجرم، ومعالجة الأسباب بشكل عام للجريمة ومنها ارتفاع نسب الفقر والبطالة.
وأخيرا لا بدَّ من مراجعة تاريخية للنصوص الفكرية والدينية والعرقية المولّدة للتطرف والتطرف العنيف والإرهاب والجريمة، لتأمين حريات الأفراد وكرامتهم وفق القانون والدستور مع معاقبة شديدة لمن ينتهكها حتى وإن كانت نتائج المحاسبة تؤدي بخسارات سياسية، فهي بالأخير نجاحات مجتمعية لتماسك الأمة ومنع تبرعم الانفصالات الفكرية والادارية وتحد النزاع وتدعم السلم المجتمعي، وتحفظ كرامة وحقوق المواطن وهي غاية وأهداف الدولة.