جمعية التشكيليين في كربلاء.. نشاطات ومهام

ثقافة 2022/03/22
...

 جاسم عاصي
 
وهذا الحلم خص الأدباء والمصورين والتشكيليين، وفعلاً تحقق مثل هذا الحلم، الذي يبحث عن وجود فاعل وجماهيري يعكس الأحلام تلك، كان ويبقى يصبو إليه الفنانون التشكيليون في كربلاء في تأسيس جمعيتهم وبكل ما من شأنه النهوض بما تمليه الحاجة لتطوير حقول الفن عبر الورش والمعارض والمحاضرات والاستضافة 
للمتخصصين. 
لا شك أن الفنانين كانوا نشيطين من خلال إقامة المعارض ومنها (معرض الأربعة/ معرض الـ (39) فنانا، ومعارض جماعة تخاطر/ ومعرض السبعة) وغيرها. كبر الحلم بتحقيق انبثاق مقر للجمعية كما هو المركز في بغداد. ومنذ التأسيس والأُخوة الفنانون يتواصلون مع النشاطات ولو بقدر تحكمه الإمكانيات المادية. 
فهم يؤكدون على مبدأ انبثاق الجمعية وتحقيق رسالتها من خلال إقامة المعارض النوعية وإقامة الندوات. ولعل بالإمكان تصعيد وتيرة فعاليات الندوات وتعدد محاورها ونوعها. ولعل محاضرة أقامتها الجمعية خصت المواقع الآثارية في المدينة خطوة مهمة لرسم مثل هذا الأداء والوظيفة الأساسية لإشاعة الحوار والتلقي المباشر والإسهام في تصعيد دور المثقف على صعيد الفن وغيره، وتماس رسالتها كمنظمة متخصصة مع الفنون الأُخرى والأجناس المتعددة، إذ من الصعب فصل الفن عن بقية الأجناس الأُخرى، فكلها معارف تصب في اختصاصها، وترفد الأجناس المتعددة، فالأديب شاعراً وقاصّاً وروائياً لا يستغني عن فعاليات الفنان التشكيلي، والفنان الفوتوغرافي كذلك. كلهم يصبون في إناء المعرفة وبلورة المواقف المبدئية التي تخص الجمال كما تخص وجوه الحياة والحراك الاجتماعي. 
ذلك تأكيد على مبادئ يصبو إليها كل مثقف وطالب علم ومعرفة. فلا حدود بين اللوحة مثلاً والصورة الفوتوغرافية. كذلك مع الرواية والقصة والشعر، وبقية الأجناس التي تصنع منطق الإبداع. إن التنوع يعني إعادة الحيوية للحياة أمام انغلاق تام عن الجمال والفن والإبداع بشكل عام في الحياة العراقية، باستثناء المؤسسات ذات العلاقة. فالخطابات السياسية والاجتماعية تعمل بمعزل عن الأطراف ذات الحيوية في واقع الحياة. 
لذا نتمنى على الجمعية أن تأخذ برسالة كهذه، والتي تزيد من قيمة وجودها ووظيفتها لاغتناء الحياة كما حصل في الحقب المنصرمة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. كذلك نؤكد على أن تكون رسالة (متحف صلاح حيثاني)الذي انبثق في المدينة وهو يمتلك البناية والإمكانيات اللوجستية التي تفوق كثيراً ما يتوفر في بقية المؤسسات. ومنها (نادي الكتاب، اتحاد الأدباء جمعيتا المصورين والتشكيليين). 
إننا إذ نصر على هذا التوجه، إنما نعمل على الارتقاء بالفن والجمال والكتابة بأشكالها. فاتحاد الأدباء حين يُقيم جلسة عن الفن التشكيلي لا يأخذ بمبدأ سحب البساط، بقدر ما يكسب رواداً يضافون إلى حضورهم الطالب للتنوع والاغتناء، كذلك جمعية المصورين الفوتوغرافيين في إقامة ندوة يشارك فيها أُدباء يقدمون ما يقوي العلاقة بين نماذج متخصصة تندفع للمزيد من المعارف. وهذا يخص كل هيأة ومنظمة وعلى مختلف اختصاصاتها. وما نعنيه بهذا الطرح هو جمعية التشكيليين التي بدأت بتهيئة مستلزمات النهوض بمثل هذه الوظيفة الثقافية، التي قد تتعدد نشاطاتها وتتشعّب مهامها سواء في رسالتها التي تخص الفن التشكيلي أو بقية الفنون والثقافات الأُخرى.  لعل ما قامت الجمعية به بإقامة أكثر من معرض وبسعة مشاركة واضحة الاغتناء دليل على حب المعرفة وتلقيح أطرافها؛ كل من جانبه يصب في إناء الثقافة وتصعيد وتيرتها. وما شاهدنا في نشاطها الأخير تحت عنوان (ألوان في كربلاء) متحقق فني كبير استقطب فنانين يشاركون لأول مرة وبأعمال إبداعية متميزة في الرسم والنحت. كما احتضن منجزات لفنانين من جيل سابق دال على تحولات فنية متميّزة.
إن زيادة فعالية نشاط الجمعية عبر إقامة الندوات والجلسات الحوارية، سواء في اختصاصها الفني أو بغيره من الأجناس يعني الاقتراب من مصادر الثقافة والمعرفة، عبر بلورة البنى الفكرية والجمالية واقتراح المشاريع الكبيرة التي قد تبقى حبيسة الذات. إن الجماعات بحواراتها تقدم سبلاً للتطوير وتلاقي الرؤى والانفتاح الحر وتبادل الآراء. وما يضيف وظيفة أُخرى وأساسية للجمعية هي الاهتمام بأرشيف يضم سيرة الفنانين وبعض أعمالهم، لأنه جانب مهم يخص الباحثين والنقاد. كما وأنه بمثابة سجل ومدونة تحتوي السيّر الفنية لأعضائها.
نعتقد أن أمام الجمعية وبقية الجمعيات والاتحادات وظيفة كهذه تُسهم في الحفاظ على تاريخ الجماعات لأجيال لاحقة من حقها أن تعرف شيئاً عن كل من سبقوهم. ففي مدينة ككربلاء مثلاً من الصعب معرفة شيء عن الفنانين (حميد العطار/ بهيجة الحكيم/ هاشم الطويل/ سمير عبد محمد/ عبد الأمير علوان) على سبيل المثال لا الحصر، فسؤال الناقد قد يواجه بصعوبة بالغة وهو يبحث عن أعمال هؤلاء الفنانين بسبب عدم وجود منظمة اهتمت بأرشيفهم الفني. نعتقد أن الجمعية الآن أمام مهمة كهذه، وذلك بتشكيل فريق دؤوب وقادر على لملمة ما فات ولو بقدر يُيسّر للطالب حاجته البحثية، وينظم العمل بشأن الفنانين الموجودين في حضرة الجمعية، والذي يزداد عدد مشاركاتهم في المعارض المقامة بين فترة وأُخرى.
نعتقد أن الجمعية قادرة على تنفيذ مهام كهذه بسبب معرفتنا بهيئتها الإدارية ومدى قدرتهم على وضع المشاريع ومتابعة تنفيذها. كما وأن مثقفين كثر يبدون استعدادهم على مثل هذا التعاون، لأنه يخص تاريخهم.