بناء القوارب.. كتابة القصائد

ثقافة 2022/03/22
...

 جيمس دياز
 ترجمة: علي رحمن.
 
تنظيم للعذاب، تصنيف للجراح، وفرز للقصص القديمة، وإيجاد رؤى جديدة مدفونة تحت المشاهد المألوفة لرؤية حياتنا.
كيف أصبحتُ الكاتب الذي ترونه اليوم؟ بالعلاج النفسي، الكثير والكثير من العلاج النفسي. 
بالجلوس في غرفة مع شخص آخر يحمل قصتك ليعيدها إليك بطريقة مختلفة. 
قد يبدو الأمر غريبا ولكن أعطني لحظة للتوضيح. في معظم حياتي الكتابية، لم يكن لديَّ بصدق صوت واضح أستطيع أن أسميه صوتي الخاص. كنت أكتب دائما لمعرفتي أن شيئًا سيئًا سيحدث لو لم أكتب. حدثت أشياء سيئة على أية حال، معظمها كانت ذاتية. وبكل بساطة: 
كتبت حتى لا أموت.
كتبت لأنَّ هذا كل ما أملك غالبا. تملكتني الكتابة، ولم تكن لديَّ أدنى فكرة عن كيفية التعامل معها. فحين أقرأ الصفحات القديمة من عشرينات عمري، أنكمشُ من قلة معرفتي حقا. ثم أفكر: كم هو جميل أيّها الطفل. لقد بذلت كل جهدك ولم تتوقف عند 
ذلك الحد.
كنتُ أسمعُ دومًا أننا نكتب الذي نعرفه، نكتب من التجربة. حسنا، ماذا تفعل حين تنفصل إلى حد ما عن تجربتك الخاصة؟ قد يكون خطرًا معرفة أين تقف في بعض الأحيان. لذلك، أنت تفصل بين غرف مختلفة لمشاعر المختلفة. القصائد الصحيحة لا تجد بعضها البعض على الإطلاق. 
أحيانًا يضعون الكؤوس على الأبواب ويستمعون إليها. وأحيانًا أخرى يرمقون بنظرات خاطفة. إنها أرض قاحلة تتجمّد لبرهة من الزمن.
لا أعرف السبب، لكنني آمنتُ دومًا بقوة التحليل النفسي. لم يكن كفاية لي تشخيصي وعلاجي، احتجت معرفة القصة الأعمق، لربما، ربما فقط، لو عثرت عليها، أعدتُ سردها. لمدة طويلة لم أتمكن من الوصول 
إليها. 
ولكن وصلتُ إلى غرف التعافي الجماعية المكونة من اثنتي عشرة خطوة. وما سمعته هناك كان قصصا، قصصا كثيرة. 
نحن المدمنون الأميركيون قد نكون قادرين على رواية قصة جيدة. في مرحلة ما، أدركت أن التشافي والسرد وجهان لعملة واحدة. 
الكتب التي أحببتها بشغف كانت تدور حول الشخوص الذين يحاولون التشافي فقط، مثلنا جميعًا، على ما أفترض. ولكن هل جميعنا كتّاب؟ ربما. لا أعلم. 
تقول جويس كارول أوتس: 
لكلّ شخص قصة واحدة جيدة على الأقل. 
أود الاعتقاد بصواب هذه المقولة وأكره الاعتقاد بما يخالف ذلك. ما أعرفه هي حاجة الشخوص لأن يكون ذلك صحيحًا، بحاجة أن يكونوا قادرين على سرد قصتهم. ولو تعتقد بخلو الجميع من قصة واحدة جيدة، أظن أن عليك مراجعة اجتماع مفتوح من اثنتي عشرة خطوة في وقت ما. 
مع الوقت بوجودي في غرفة المعالج النفسي نهاية العشرينات من عمري، حيث كنت في مكان في حياتي لا أعرف سوى أنني إذا لم أدرك ماهية قصتي الأعمق، فلن أكون قادرًا على تحقيقها. وأعتقد أنني كنتُ محظوظًا. 
لقد وجدت الشخص الملائم. شخص لسنوات جلس مع حالاتي المخدّرة والمتجمّدة، مع ألمي المجهول، حتى انكسر في النهاية الركود. لا أعرف كيفية إيضاح ذلك بالضبط. ولكن حين جلوسك مع شخص في غرفة كل أسبوع ليصغي إلى كل الأشياء التي لا تقولها، ويمنحك الوقت لإيجاد جوهر هذه الأشياء، لتنطقها بصوتٍ عالٍ للمرة الأولى، بصوتك الوحيد والحقيقي، فثمة قصيدة تولد في كل ذلك.
ما نفعله جميعا هو رواية القصص. "كانت طفولتي هكذا. كان والدي حاد الغضب، وأمي باردة. قال هذا الشخص ذلك ثم شعرت بهذه الطريقة. أنا خائف. أنا غاضب. 
لا أعرف شعوري. لا أريد الحديث عن المشاعر اليوم. أريد الجلوس هنا لا أكثر. هل هذا مقبول؟" وتجلس. 
تجلس هناك وغالبًا لا يمكنك حتى سماع نفسك تتحدث.
تتحدث وتتحدث حتى تنسجم يومًا مع أجزاء من نفسك. تسمع وتشعر بشخصٍ ما يعطيك أجزاءً من قولك بطريقة مختلفة. يأخذك الفضول. تصبح منفتحا. 
تبدأ بفتح كل تلك الأبواب التي أغلقتَ خلفها العاطفة، كلما عرفتُ نفسي أكثر دخلتُ في قصيدة بطريقة حقيقية ومتجسّدة.
أين تشعر قولك لي الآن؟ هل هو في صدرك، في أمعائك، في رأسك؟ كيف تشير لموقع كلماتك في جسدك؟ "مرعب دخولك في نفسك هكذا". 
مع الوقت، التقى جسدي وكلماتي عند مفترق طرق.
 "أصغِ هنا"، كانوا يقولون لبعضهم البعض، "نفعل ذلك معًا أو لا نفعل مطلقًا".
اكتب الجسد، وستغني القصيدة. الطريقة الوحيدة التي نصبح بها ماهية أي شيء على الإطلاق هي دخول الآخرين إلى قصتنا. 
لقد غيرنا الآخرون، تغيرنا من خلالهم. هكذا سيخبرك أي معالج، أن مرضاه جعلوه معالجًا أفضل. 
لم يجعلني العلاج، شاعرا أفضل، ولكن شاعرا منفتحا. منفتحًا على الأغنية التي لا أعرف كل كلماتها، لكنني سأغنيها على أية حال. 
قارب قبيح، قارب جميل. أحيانا ما عليك إلا بناء قارب فقط. 
أتخيل وجود العديد من الطرق لإيجاد قصتنا الأعمق. وإذا كان لدى الجميع واحدة جيدة على الأقل، فمن المخجل عدم مشاركتها مع شخص معين، في مكان معين، في مرحلة معينة. 
من يدري، قد تجد في داخلك أكثر من ذلك في مكان ما.
أين تشعر بذلك؟ الرأس والصدر والأمعاء والقلب؟ هذا هو الفن والمكان. بوصلة. أداة للصقل. 
فقد تأخذ بعض الوقت لإيجاد نوع حالتك. ولكن بمجرد فعل ذلك، هناك نوع من الإيقاع الأساسي الذي يبدأ في التبلور. كل منا لديه نكهته، وكل لديه براعم الذوق النفسي العاطفي.
كيف نتطور في مهنتنا للأفضل؟ بالنسبة لي، شخصيا، كان ذلك بمعرفة نفسي بشكل أفضل. بمعرفة نفسي بشكل أفضل من خلال الآخرين. الاستماع إليّ من خلالهم. 
مشاركة ماكنت عليه للوصول إلى ما أنا عليه. صديق جيد قد يفعل لك. أو زمالة المدمنين الخاضعين للتعافي.
كل مكان يتجمع فيه الناس لمحاولة فهم وجودهم هو فرصة ودعوة للشعر. كل ما أعرفه أن عليك البدء من مكانك. وهذا المكان لا يقدم لك دائما الحصاد اليانع.
فثمة مواسم ومواسم. عليك فقط السير بعدم المعرفة حتى تبدأ. في بعض الأيام ليس لديك ما تقوله، وفي أيام أخرى ثمة الكثير لتقوله. 
القصيدة الجيدة، إذا كان هناك شيء من هذا القبيل، قد تكون في مكان ما بين هذا. فكما يقولون في الغرف: سينكشف الكثير. 
لا تستسلم قبل خمس دقائق من حدوث القصيدة.