عدميَة فيسبوكيَّة

آراء 2022/03/22
...

  رعد أطياف 
 
نحتاج إلى ترويض مستمر للقدرة على الفصل بين مواقفنا النفسية 
والمعرفية. 
المواقف النفسية تصدر من الرغبة المتزايدة بالمعاناة!، وربما هي سادية غير معترف بها، وإلا ماذا يعني الإصرار على الجدال ونحن نعلم أنه يضاعف من معاناتنا النفسية؟ لماذا ننخرط في قضايا هامشية لا تشكل إسهاماً حقيقياً في توفير احتياجاتنا الأساسية؟ لماذا تبدو مجمل قضايانا، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، مفصولة عن الواقع ولا تسهم حقاً في حوارات جادة وبناءة في ترميم واقعنا.
 ربما تمارس العادة "جبريتها"، إذ يصعب علينا الفكاك منها إلا بالممارسات المستمرة. أما المواقف المعرفية فهي تصدر من رغبتنا بالاكتشاف، اكتشاف حقيقة جهلنا ومحاولة تقليصها قدر الامكان، ذلك إن الرغبة بالمعرفة تعني شكلاً من أشكال الحرية. 
لا يمكن طلب التحرر ومعرفة حقيقة جهلنا عبر الاستعانة بالمواقف النفسية على الأطلاق. لكل منّا شاهد داخلي يفهم دوافعه جيداً ويستطيع تمييزها، فيما إذا كانت تصب في الصالح العام أو هي مجرد أحوال نفسية نستخدمها للتعويض عن العدمية التي تفتك 
بنا.
كثيراً ما أرّقني هذا السؤال: لماذا ننشغل بالجدال، في مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً، حول مواضيع ليست حيوية، من قبيل موضوع الإلحاد والإيمان، أو جماعة التصميم العشوائي وجماعة التصميم الذكي، وجماعة "اليمين" وجماعة "اليسار"، وجماعة العَلمانية وجماعة الإسلامية... ألخ. 
الجواب الذي بحوزتي حتى هذه اللحظة هو كالآتي: كلما افتقرنا إلى نموذج شعرنا بالعدمية والضياع، شعرنا بالاضطهاد، وهذا الأخير يعمّق في مخيلتنا أحلام اليقظة!، ويجعلنا نصدق أنفسنا من أننا مميزون عن غيرنا بهذا 
الطرح!. 
وهذا ما يفسر ميول الأجيال الجديدة إلى نماذج خارجية بحكم الانفتاح الهائل الذي نشهده في هذا القرن، لأنها فقدت النموذج المحلي، وعثرت على نماذج سياسية واقتصادية وثقافية تتمتع بجاذبية لا تقاوم. فمن الطبيعي أن نشهد جدالات محمومة، لكنها ذات حمولة نفسية ثقيلة جداً يندر أن تعثر فيها على فائدة موضوعية تصب في الصالح العام، فضلاً عن أنها متقدمة بأشواط طويلة على مناخنا الثقافي. 
ليس لأنها عديمة الفائدة، وإنما لأنها لا تجد لها أرضية صلبة ومؤسسات راعية، ناهيك عن وقوعها في أسفل سلم الاولويات، ذلك إن الأمن، والرخاء، يأتي في السلم الأول، وبما أن الناس فقدت هذه الأساسيات فليس أمامها سوى الغرق في يوتوبيات حالمة تغذي مخيلتها 
المتعبة. 
وبما أن الواقع لا يسر الصديق، ولا نعثر فيه على ضالتنا، فلا نافذة يمكنها أن تعوض هذا الحرمان مثل العالم 
الأزرق.