مقارنة الحرب وجذور النار

آراء 2022/03/25
...

 علي لفتة سعيد
 
 قد تبدو المقارنة قد حان وقتها بين الحرب التي اصطلح عليها حرب الخليج عام 1990، والحرب التي يطلق عليها الآن الحرب الروسية الأوكرانية، التي لم يطلق عليها أي اسم آخر يساوي بشاعتها.. المقارنة التي تبتعد عن أساب الحرب في زمن وقوعها، ومن هو الذي بدأ، ومن هو المسبّب قبل البدء، مثلما تبتعد عن الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، أو عدم الانحياز الذي يكون بدرجة جدا أقل من الانحياز الذي فرضته الظروف، التي يمرّ بها العالم منذ نهاية الحرب الباردة وتفتيت الاتحاد السوفيتي.. ولهذا فإن البحث عن الجذور أحد أهم أسباب انبثاق هذه المقارنة التي تتشابه أضلاع ما يحيطها، وإن اختلف الشكل الهندسي للحربين، ومن هو الذي يقع في المركز، ليشير إلى خارطة العالم، ومن هو الذي أزال الفتيل من الشمعة لكي لا أحد يرى الطريق بصورة صحيحة، فتضيع عليه خارطة الشكل، فتتفتت المعاني ويعلو صوت الموت، مثلما يعلو صوت النزوح والهرب والاستغلال.
هنا فيه المقارنة لا نقف مع جهة حتى لا نتهم، ولهذا فإن الجذر الأول لم يكن الحرب العراقية الكويتية، بل هو الصراع الروسي مع الغرب.. لكن الأمر لم يكن متاحا في حينها، فالصراع الاقتصادي والوجود المتنامي، لكل الأطراف جعل الأمر يطبخ على نارٍ جد هادئة، لأن زيادة النار ستحرق من يقوم بعملية الطبخ.
ولهذا فإن ما اصطلح عليه الغزو العراقي للكويت، لم يكن وليد المتغّيرات التي خرجت بها نتائج الحرب العراقية الإيرانية من إنهاك لقوة الدولتين، بل هي كانت تمهيدا لتدمير القوة العراقية المتنامية، التي جعلت من رأس السلطة يشعر بتضخيم الذات أو جنون العظمة، من أن له القدرة على المناورة السياسية، دون أن يدري أن الطبخة بدأت على النار، وأن الرائحة التي تخرج من أفواه الطباخين وأوّلهم الطباخ الأميركي إنه مع الجهة المحايدة وغير المنحازة مع طرف، دون أن يدري أن الطرف الآخر إن القِدْر الكبير في التخطيط، كان يضع الدولتين معا، وكان اللسان الأميركي يمتد في آذان الشرق أوسطيين في العراق والكويت يدسّ السم بالمعلومات، لكي يتحدّث اللسان الشرق أوسطي بطريقةٍ جديدة تولد معه خارطة جديدة من أجل إيقاع البلدين في مأزق التفتيت، فكانت سياط أسعار النفط تلهب ظهر العراق، وكانت الكويت تخاف من تنامي القوة والغرور العراقي، الذي كان يهدّد ويتوعّد (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، والحقيقة هي أن الاثنين وقعا في فخّ التاريخ، مثلما وقعا في قِدْر الطبخة الأميركية- الأوروبية – الإسرائيلية، خاصة بعد حوّل رأس النظام، الصراع من احتلال الكويت وتحرير الأعناق وعودة الأصل، إلى تحرير فلسطين، والجملة التي قالها على الخليج العربي( إني أرى القدس بخط مستقيم)، لتكون لحظة الجنون هي بداية رفع نار الطبخة.
في الجانب الروسي كانت شبه جزيرة القرم هي الأساس، بعد تنامي القوة الروسية في عهد بوتين، والبحث عن لحظة البدء بإشعال النار التي تختلف عن نار تفتيت الاتحاد السوفيتي، لأن الاقتصاديات العالمية في انهيار، من تضخم وعجز، مع ارتفاع الاقتصاد الروسي وتنامي القوة الصينية والصراع الأيديولوجي العتيق بين الرأسمالية والاشتراكية. لكن الطبّاخ لم يجد له موطئ قدم في تلك المعادلة، التي انتهت سريعا بعودة القرم إلى روسيا، مع ضمان وجود بلاروسيا في الجانب الآخر، وإيران في الجهة الأخرى من الخارطة، مع ضمان الصمت الخليجي النفطي، وانتهاء الخوف العراقي الباحث عن استقراره الداخلي، فكانت أوكرانيا الطعم الأميركي – الأوروبي.. من خلال الرئيس الحالم بالحياة الأوروبية والسوق الرأسمالية، وقد عبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن ذلك من خلال مشهد تمثيلي كونه كان ممثلا كوميديا، محذّرا من غزو روسي إلى بلده، لكنه لم يكن تحذير مؤلّف يتخيّل المستقبل، بل كان مدروسا ليقوله الممثل الكوميدي الذي سيصبح الرئيس المستقبلي، ويعمل على تحقيق عملية الغزو الروسي وإيقاع روسيا في المستنقع، مع جنون العظمة لدى الرئيس الروسي، الذي يمتلك أدوات أفضل من أدوات الرئيس العراقي. لكن الطريقة ذاتها بسحب القدم والتقدّم العسكري نحو العاصمة كييف، ومن ثم إيقاع الطرفين في القِدْر.. إنهاك روسيا من جهة بشكل كبير سياسيا وعسكريا وشعبيا، حيث تتنامى المعارضة الروسية واقتصاديا حيث العقوبات التي تشبه العقوبات التي تمَّ فرضها على العراق بطرق أسرع من صوت البرق، وهو ذات الأمر الذي يطبق الآن مع تفكير أعمق بطرق العقوبات مع زيادة حجم القِدْر الذي تطبخ فيه الدولتان.. مع الاستفادة بعدم التدخل المباشر، لأن الحرب ستختلف والاعتماد على المساعدات العسكرية والصراع الإعلامي، لتبدو روسيا وحيدة كما العراق، ويتعاطف العالم مع أوكرانيا كما الكويت.
إن المقارنة لن تكون في الجذور فقط، بل ايضا في النتائج.. فالعراق خرج مهزوما من الكويت لتقع عليه عقوبات قاسية فيما تم اعمار الكويت، وهو الأمر ذاته سيطبّق على روسيا وأوكرانيا، حيث سيتم التخطيط لإيقاع عقوبات اقتصادية ومالية على روسيا، وإن كان الأمر صعبا، لأن الفيتو الروسي هو الأقوى في مجلس الأمن، الذي لن يكون كما كان، وستعمل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ومن معهم على إيجاد طريقة جديدة، تجعل من روسيا تتنازل عن مطالبها بانفصال دولتين على حدودها من أوكرانيا (دونيتسك ولوغانسك)على أن تحتفظ بالقرم، شريطة أن تدفع تعويضات الحرب التي تسببها في أوكرانيا التي ستتم إعادة إعمارها بشكل أفضل، لكنها لن تكون دولة في حلف الناتو، ولن تكون دولة في الاتحاد الأوروبي، لأن القوانين الأوربية في الانضمام إليها لا تقبل أوكرانيا التي لديها نزاع مع الجيران. 
إنها حروب تدمير بالإنابة التي تجعل الكثير من نقاط المقارنة متشعّبة، لكن القِدْر واحد، والمخطّط واحد، والشيطان يكمن في التفاصيل.