مساهمة طلاب القانون والمحامين الشباب في تعزيز سيادة القانون

آراء 2022/03/26
...

 المحامية مريم طالب سعدون 
يعد موضوع سيادة القانون من المواضيع المثيرة للاهتمام، ذلك أن مفهوم سيادة القانون مفهوم قديم جدا ومعاصر جدا، ويحتل جزءا كبيرا من الحوار الأكاديمي والسياسي في العصر الحديث. ولعل جميع طلاب القانون يعرفون هذا المفهوم ويميلون إلى تجاوزه باعتباره شيئا لا يحتاج إلى شرحٍ أو توضيح، ومع ذلك فإن معظم القانونيين لديهم نظريات مختلفة حول هذا المفهوم وتعريفه وعناصره المكونة له، لذلك ينبغي على كل طالب قانون ومحامٍ شاب أن تكون لديه رؤية أو فكرة واضحة حول مفهوم سيادة القانون حتى يتمكن من المساهمة في تعزيزها. 
 
وتعني سيادة القانون أن جميع الأشخاص والسلطات داخل الدولة، سواء كانت عامة أو خاصة، يجب أن يكونوا ملزمين بتطبيق القوانين ومتساويين في الاستفادة منها، أي أن سيادة القانون تتمثل في المساواة أمام القانون، وهذه المساواة تتحقق ابتداءً من رئيس الدولة إلى آخر مواطن فيها، إضافة إلى المحافظة على استقلال المحاكم وحياد القضاة.
فسيادة القانون، تعد الإطار القانوني لاحترام الحقوق الأساسية، فهي تشكل علاقة ثلاثية قوية مع قيم الديمقراطية والممارسة الفعالة للحقوق الأساسية، وبالتالي تعد أساسًا قانونيًا لجميع الحقوق الأخرى، فبدون سيادة القانون، لا شيء آخر يعمل، بدونها لا يوجد نظام للتعاقد، لا توجد حماية للملكية الفكرية، ولا توجد حماية للأمن الشخصي وسوء المعاملة، ويلاحظ بأن هذه السيادة تحت تهديد مستمر في جميع دول العالم. 
ومن المهم تعريف سيادة القانون على أنها ليست مجرد التزام قانوني أو مادة دستورية، وإنما يجب أن ننظر لها بشكل أعمق، باعتبارها درعًا وقائيًا مرنًا يحكم ويحد كل جانب من جوانب تفاعل المواطن مع الدولة، ويضمن التمتع الكامل بالحقوق الأساسية والحريات المدنية.
وبعد هذه المقدمة البسيطة، نطرح التساؤل الآتي: كيف يمكن لطلاب القانون والمحامين الشباب المساهمة في تعزيز سيادة القانون؟ أو ما هو دورهم في ذلك؟ 
بالنسبة لطلاب القانون يمكنهم المساهمة في النهوض بسيادة القانون من خلال استغلال الفرص، التي تصادفهم أثناء مراحلهم الدراسية لتثقيف أنفسهم بالتعريف الأكاديمي والأهمية العملية لسيادة القانون، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكونوا متحمسين للبحث والبقاء على اطلاع على أحدث التطورات في هذا الشأن، كما أن بإمكانهم المشاركة في منظمات المجتمع المدني التي تعزز الوعي بحقوق الإنسان والحريات المدنية.  أما بالنسبة للمحامين الشباب، فإن دورهم في النهوض بسيادة القانون أكثر أهمية وكفاءة، نظرًا لمشاركتهم النشطة في النظام القضائي، وفهمهم الأعمق للمسألة وقوتهم الأكبر في التأثير على الجمهور. 
ويمكن للمحامين الشباب المساهمة بشكل كبير عند مشاركتهم في منظمات المجتمع المدني ذات الصلة بسيادة القانون من خلال توفير خبراتهم القانونية. 
ومع ذلك، فإن المجال الحاسم حيث يمكن للمحامين الشباب أن يساهموا بأقصى قدراتهم وأن يصبحوا أوصياء على سيادة القانون في الحياة الواقعية، يكمن في الوصف الوظيفي الخاص بهم، على الرغم من أن الجمهور لديه فكرة أو رأي سلبي عن المحامين، وإلى درجة معينة فإن هذا الرأي له ما يبرره، لأنه في بعض الأحيان، ينسى أغلب المحامين أنهم ليسوا مجرد محترفين، بل أنهم جزء لا يتجزأ من المنظومة القضائية، فهم يمثلون القضاء الواقف، بينما يمثل القضاة القضاء الجالس.
وهذا يعني إن دور المحامين يتمثل في خدمة الدور الدستوري للمهن القانونية بأمانة ودعم المصالح القانونية للموكل بكرامة، واحترام الصالح العام والمساهمة في حسن سير النظام القضائي في الدولة. 
كما يمكن للمحامين الشباب بشكل خاص أن يعملوا في مختلف مجالات المساعدة القانونية، وتقديم خدماتهم في الدفاع عن حقوق الفقراء ومن لا يملكون المال الكافي لتوكيل محامٍ، بهدف الوصول إلى سبل الإنصاف القانونية وتحقيق العدالة في المجتمع، وبالتالي المساهمة في تعزيز سيادة القانون.
وفي الختام يجب أن يلاحظ بأن بناء ثقافة قوية لسيادة القانون، تعد مسؤولية شخصية تقع على عاتق الجميع، وفي مقدمتهم طلاب القانون، إضافة إلى المحامين الشباب، الذين يجب أن يكونوا مثالًا يحتذى به في تعزيز سيادة القانون، وذلك من خلال العمل على إلغاء أوجه القصور فيها، وتعزيزها من خلال الطريقة التي يمارسون بها مهنتهم، فنحن بأمس الحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة ويقظة ضد الفساد، الذي يمثل تهديدًا بارزًا ومتزايدًا لسيادة القانون. 
 حيث يمكن أن يؤدي الفساد والافتقار إلى الشفافية إلى أوجه قصور خطيرة في سيادة القانون، مثل حجب استقلال القضاء، وتمكين الأطراف الثالثة من التأثير في عملية سن القوانين لصالحهم، أو حتى التقليل من المساواة والتمتع الكامل بالحقوق الأساسية والحريات المدنية، وهنا يجب أن يتم العمل على إيجاد وتطوير الوسائل القانونية لمكافحة أوجه القصور في سيادة القانون.  كما يمكن لنقابة المحامين تحديد التهديدات المتزايدة بسرعة وإثارة جرس الإنذار عليها علنًا، وممارسة الضغط على السلطات الحكومية للبحث عن هذه المشكلات وحلها بسرعة.
وبهدف زيادة الوعي القانوني لطلاب القانون والمحامين الشباب، ينبغي تشجيعهم على المشاركة في جميع الأنشطة القانونية، كإقامة الورش التدريبية والندوات العلمية، إضافة إلى المشاركة في أنشطة منظمات المجتمع المدني، حيث يمكن لطلاب القانون والمحامين الشباب مشاركة الآخرين بما لديهم من خبرات قانونية، وبالتالي نشر الوعي الثقافي والقانوني في جميع أنحاء البلاد، والتنبيه على أهمية سيادة 
القانون.