ما أشبه اليوم بالأمس

آراء 2022/03/26
...

 د. أحمد مولود أحمد
 
خلال متابعتنا وعملنا البحثي في تاريخ الصحافة العلمية العراقية، استوقفتني مقالات وعبارات كتبتها اقلام الصحفيين العراقيين آنذاك، فكنت كلما قرأت موضوعاً منها، تمر في بالي ذكريات ذلك الامس البعيد بهذا الحاضر العنيد الذي يأبى أن يستفيد من دروس الأمس، فلا حياة فيه ولا همس.
ففي التاسع من شهر كانون الثاني عام 1937 كتبت جريدة الانباء العراقية مقالاً افتتاحياً بعنوان (المجلس القادم نريد شباباً لا أخشاباً) جاء فيه: «لقد ظلم رجال العصور السابقة الأمة الحزينة ظلماً صارخاً حين لم يفكروا – عفا الله عنهم- بالاستفادة من الاختراعات الحديثة وشراء الكميات الكافية من الانسان الالي الذي باستطاعته ان يرفع يده ويخفضها ألوف المرات في الساعة الواحدة، علاوة على الفضيلة التي يمتاز بها.. فهو انسان مطيع ويعمل بصمت»، وبالتأكيد فإن الصحيفة قد قصدت (بالفضيلة)، انه انسان لا يميل إلى الفساد والرشوة في انجاز المعاملات، وهو ايضاً لا يسرق أوقات العمل لمصالحه الشخصية، وكذلك فهو انسان لا يرهق ميزانية الدولة بالسفرات والإيفادات الوهمية، ولا يحتاج إلى الحمايات الخاصة، وهي بذلك تستنهض الهمم والضمائر الحية للنهوض بالبلاد.
ونحن نقول كما قالت تلك الصحيفة قبل أكثر من 85 عاماً، بالفعل نريد شباباً لا أخشاباً، فقد أنهكت الأخشاب البلاد وسرقت العباد، ولم ننعم من خيرات بلدنا حتى في الخيال، والحال هو الحال نفسه، سواء كان البرميل بدولار او بـ 150 دولارا، فأوضاع الفقراء تزداد سوءاً، والأغنياء في ترفهم وقصورهم ينعمون.
ما أشبه اليوم بالأمس البعيد، والمعاناة تتكرر، فالأخشاب نفسها، سواء أ كانت أخشابا وطنية او مستوردة من دول اقليمية، وكأنه قد كتب في اللوح المحفوظ أن يعيش العراقيون المأساة طوال حياتهم، جيلاً يورث اجيالاً قادمة بالعوز والحرمان، والصراعات التي ما ينتهي فصل منها حتى تبدأ فصول اخرى.
ما اشبه اليوم بالأمس البعيد، وصناعتنا وزراعتنا لا تكفي لسد احتياجاتنا، فصراع روسي أوكراني في قارة أخرى بعيدة، جعلت من أسواقنا فوهة بركان، ستحرق الفقراء، وتسعد التجار والأغنياء، وأخشابنا التي انتخبناها لا هم لها غير منافعها الشخصية وامتيازاتها الفلكية، وقد غاب عنها أن فوهة البركان هذه قد تتمادى قليلاً فتتطاير شظاياها المحرقة لتلتهم تلك الأخشاب ولو بعد حين.