مُعضلة البلاد المُحَيّرة

آراء 2022/03/28
...

 رعد أطياف
 
يومًا بعد يوم تتساقط كل أمنياتي التي ادّخرتها في الأيام الخوالي ولم يبقَ سوى أمنية مُلِحّة وهي كيف تُدار الدولة العراقية. يبدو سؤالاً ساذجاً ولا يشجع على إمكانيات جديدة للفهم. لكنّ الأسئلة البديهية والواضحة تغدو ضرورية في بلدٍ مثل العراق. سأطرح لكم سؤالاً لا يقل غرابة عن الأول: لماذا لا يشبع الموظفون الكبار من عمليات الفساد، حتى لو كان لديهم ما يكفيهم من الثروة التي تضمن لهم العيش الرغيد حتى الممات؟! ألا تبدو القضية مُحيّرة وتشبه قضية صدام حسين الأكثر حيرة يوم اجتاح الكويت وما زال خارجاً للتو من حربٍ طال أمدها ثمانية أعوام؟ كل هذه الأسئلة وسواها تتمتع بمشروعية وتجدد نفسها بين الحين والآخر في بلد يتمتع بثرواتٍ هائلة، لكنّك تتحسر على رؤية شارع أو بناية يعكسان التاريخ الحضاري لهذا البلد، أو على الأقل يعكسان الوضع النفطي لهذا البلد!. حين تسافر إلى إحدى دول الخليج فسترى مباشرة، سعة النعمة، والعيش الرغيد، والثراء البادي على وضع البلد العمراني، مضافاً إلى الطرق والمواصلات، والخدمات والإدارة، ونحو ذلك. بينما جولة واحدة من سائح أجنبي في جنوب العراق ووسطه فضلاً عن عاصمته فمن المُرَجَّح أنه سيخرج بنتيجة مفادها: من المؤكد أن هذه الدولة هي إحدى الدول الفقيرة والفاشلة. ذلك أنه لا يوجد مؤشر واحد يدفع الآخر بالتصديق كون العراق من البلدان الثرية؛ فعلى صعيد الإدارة السياسية، والهيكلية العامة لباقي مرافق الدولة، مضافاً إلى البنى التحتية، كلها تشير أن البلد قائم على فوضى عارمة؛ لا مناهج التعليم تمنحنا تطمينات كافية، ولا نظامه الصحي المرعب يمنحنا الأمل بالحياة، ولا سياساته الزراعية يمكنك التعرّف عليها بوضوح، ولا بنيته التحتية الصناعية انتفضت من رمادها منذ عقود، فضلاً عن نخبه السياسية التي تتصارع على المال والنفوذ، والتي تنخرها الهويات الفرعية، ولا توجد لها نية على ما يبدو لبناء مؤسسات الدولة، كما لا توجد لديها رغبة بالدفاع عن مصالح البلد العليا، ومن المرجح أنها لا تعتقد بحقيقة العيش المشترك، ولا تعير وزناً للديمقراطية الحقيقية والحريات المدنية. لذلك يحار المرء وينتابه العجب في الكيفية التي يمكنه أن يعثر عليها لتمنحه القابلية على التنبؤ؛ فعدّاد قاعدة البيانات في العراق مُصاب بالعطب، وكل شيء يقودك إلى المجهول. هذه ليست رؤية تشاؤمية، ولا علاقة لها بالعدمية، واللا جدوى، والإحباط، وإنما محاولة للبحث عن ممكنات تفتح لنا آفاق جديدة للتفكير والحياة، ربما في يوم ما نعثر على الإجابة.