علاقة حب لا تنتهي بين السينما والرواية

الصفحة الاخيرة 2022/03/28
...

 ابراهيم سبتي
هل نجاح الفيلم المقتبس من عمل أدبي يعود إلى المخرج أم إلى العمل الأدبي نفسه؟ هذا السؤال يلخص لنا مديات الاتصال المستمر بين العمل الأدبي الناجح وبين السينما التي تحاول أن تتصرف وفقاً لمفهوم التسويق التجاري والفني في آن معاً، بعض الأفلام المأخوذة من الأدب، ظلت أسيرة له ومقيّدة وكأنها موضوعة داخل قفص لا يمكن الخروج منه مهما يمتلك المخرج من رؤى وإمكانية فنية
 في حين نجد أن بعض المخرجين تجاوزوا هذه العقدة وانطلقوا حسب مفهوم السينما ومتطلباتها فتحرروا من قيود العمل الأدبي وتصرفوا وفقاً لما وجدوه مناسباً لسير الفيلم وضرورة بلوغ هدف النجاح الذي يسعى إليه كل مخرج عندما يتناول رواية شهيرة عربياً، استمدت بعض الأفلام قصصها من الروايات وبعض القصص القصيرة لكتاب عرب معروفين أو لكتاب عالميين على حد سواء، فأنتجت هذه الخلطة، أفلاماً ظلت في ذاكرة كل من شاهدها رغم أن الفيلم المأخوذ من عمل لكاتب عالمي، قد تجري عليه بعض التعديلات في الاتجاه العام والأحداث للتوافق مع الأجواء المصرية أو العربية مثل فيلم "الإخوة الأعداء" الذي أخرجه حسام الدين مصطفى والمأخوذ عن رواية "الإخوة كرامازوف" لدوستويفسكي، وكذلك فيلم "البؤساء" المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للروائي فكتور هيجو، أخرجه عاطف سالم، وعشرات الأفلام الأخرى المأخوذة من الروايات العالمية المتميزة والتي عمد المخرجون إلى الاستفادة من نجاحها وانتشارها في سوق القراءة الأدبية وحولوها إلى أفلام واقعية تناسب البيئة المصرية، أما الأفلام المقتبسة من أعمال أدبية عربية فجاءت مطابقة لما جاء في الرواية روحاً وشكلاً، كفيلم "دعاء الكروان" للمخرج هنري بركات عن رواية لطه حسين بالاسم ذاته، وفيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج مروان حامد المقتبس من رواية لعلاء الأسواني، أما روايات وقصص نجيب محفوظ فقد تكّفل شخصياً بكتابة السيناريو لأغلبها وتقديمها جاهزة للمخرجين، للمحافظة على مجريات الجو العام من دون مساس أو تعديل والإبقاء على روحها وعبق تراثها وشعبيتها. وهكذا نجحت أفلام محفوظ  في التمسك بقيمتها الأدبية والفنية في السينما.
 إن الإخراج السينمائي، تظل وجهة نظره ورؤيته في تناول العمل الأدبي للسينما، مرهونة بوعي وثقافة المخرج وحسه الجمالي والإبداعي، وذلك لأنه يحاول إضفاء نكهة الإخراج ولمسته المبتكرة، في تسيير الأحداث مع التصرف قليلاً في مجريات الرواية أو القصة لصالح العمل لا أكثر، وهو بالطبع يمتلك رؤية ونظرة مسؤولة أمام جمهوره وفنه وتاريخه، عالمياً تحولت الكثير من الروايات المعروفة إلى السينما، لكن فيلم "العطر" الذي يحكي قصة قاتل والمقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، منح المخرج الألماني توم تايكور، حرية واسعة لإظهار مهارته و قدرته البارعة، وقد نجح الفيلم نجاحاً باهراً في تجسيد الرواية وأحداثها وبنسبة كبيرة، مع أنه وبحركة إخراجية ناجحة قدّم وأخّر قليلاً في الأحداث لضرورات سينمائية يتطلبها الفيلم، لا سيما أنه مقتبس من رواية عالمية ناجحة ومثيرة ومقروءة حتى اليوم، لقد أبهر المخرج، العالم بمشهده الاستثنائي لحظة القبض على القاتل غرونوي وتجمع الناس حوله للقضاء عليه، لكنه يرش عليهم عطره المصنوع من أجساد الفتيات اللاتي قام بقتلهن لصناعته، كان مشهداً نادراً في السينما، وقد جسد المشهد المكتوب نفسه في الرواية، بل ربما تفوق عليه، فهو مشهد آسر، أرانا كيف وقعت هذه الجموع في حالة من الانتشاء والسعادة ونسيان أمر القاتل واستطاع المخرج أن يجمع عدداً كبيراً من الممثلين في مشهد ربما لا يتكرر في السينما، إن المخرج الحاذق وصاحب الذائقة الجمالية والوعي المتفرد، يصنع أفلاماً مقتبسة من الأعمال الأدبية وفقاً لمعايير صنعته ومهارته وفهمه لما يحويه السرد الأدبي وما يريد توصيله للجمهور المتابع، وعلى العموم تظل علاقة السينما بالرواية أقرب إلى علاقة حب لا تنتهي بين وسيطين مختلفين، مثلما وصفها نقاد متفائلون.