الرياضة والسياسة

الصفحة الاخيرة 2022/03/28
...

عبد الهادي مهودر
لا أتصور العراق بلا كرة قدم فهي لحظة البهجة الشعبية الكبرى النادرة التي توحد المشاعر في زمن الاختلاف على كل شيء، وملاعبنا تكتظ بالجماهير حتى دون مباراة كما حصل بملعب المدينة في الحبيبية، ومع كل هذه الشعبية الجارفة لكرة القدم فالعراقيون أصناف متفاوتة بدرجات الاهتمام، فمنهم جمهور الملاعب والمدرجات ومنهم جمهور الشاشة والبيت والمقهى، وصنف غير مهتم بالرياضة بالمطلق، كما هو حال غير المهتمين بالسياسة وجلسات البرلمان والأغلبية والتوافقية، ولم يعطّلوا أعمالهم لمتابعة أخبار جلسة البرلمان والحضور والمقاطعين ولا تهزهم التصريحات والتحليلات والتغريدات، وهناك من يرى هذه الحالة (اللاابالية) إيجابية فشعوب الدول الأوروبية لا تهتم بمعرفة أسماء الرؤساء والسياسيين قدر اهتمامها بنجوم المجتمع والرياضة والفن، وأتذكر في موعد المباراة النهائية لكأس أمم آسيا بين منتخبي العراق والسعودية عام 2007 وفي وقت خلت الشوارع وتجمعت الأسر أمام شاشات التلفزيون فاجأني أحد الأصدقاء وطرق باب الدار ليسألني ببرود (ما تعرف ليش الشوارع فارغة اليوم؟ حسب معلوماتك صاير شي ؟!)، صديق آخر يجلس بيننا في حالة ذهول ونحن نتحدث عن مباريات الدوري الإسباني والإنكليزي ويهز يده على تعصب المجانين لهذا النادي البعيد أو ذاك ويتركنا وينصرف، وقبل أيام بشّرت الأصدقاء في أحد مجاميع الواتساب عن احتمال عودة مباراتنا مع الإمارات إلى بغداد، فبادرني صديقنا الصحفي والكاتب حمزة مصطفى، أي مباراة تقصد؟! فقلت أقصد مباراتنا مع منتخب الإمارات، وكان جوابه (أها جيد.. تدري اني آخر عهدي بكرة القدم لما سجل قاسم زوية هدفه من ضربة زاوية قبل 60 سنة يمكن!) هذا في وقت كان الجمهور الرياضي و(الفيفا) واتحاد الكرة العراقي والآسيوي والإماراتي منشغلين بهذه القصة (والدنيا مگلوبة) من الحبيبية إلى الرياض، لكنّ صديقنا غير المهتم بأخبار كرة القدم مهتم كثيراً بالسياسة فهو محلل وضيف الفضائيات الدائم للحديث عن تطورات الشأن السياسي، وإذا كان الصنف الأول الحاضر على مدرجات الملاعب هو الأكثر استمتاعاً بالوقت، فالصنف غير المتابع للرياضة والسياسة صنف محسود ورأسه بارد من الهموم ووجع الرأس، أما صديقنا المحلل السياسي الذي آخر عهده بالرياضة هو هدف اللاعب قاسم زوية فهو متميز ونادر ومختلف لأن معظم المحللين اليوم مستعدون للحديث كضيوف وخبراء في قضايا الأمن والطاقة والمناخ وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وبعد فوز منتخبنا على الإمارات لم أسأل صديقنا المحلل السياسي عن فرصة منتخبنا في التأهل لكأس العالم خشية أن يحدثني مجدداً عن هدف المرحوم قاسم زوية، الذي لم يسجل في حياته أي هدف من ضربة زاوية.