الإسلام العباسي وأسئلة التدوين

ثقافة 2022/03/29
...

  برهان شاوي
معظم الباحثين في التاريخ الإسلامي، كالجابري وطرابيشي وحسين مروة وغيرهم، يتفقون على أن التدوين الحقيقي والمتوفر كمخطوطات وكتب موجودة حاليا، كسيرة ابن إسحاق النبوية، وسيرة ابن هشام النبوية، وتاريخ اليعقوبي، تاريخ الطبري، المسعودي، ابن النديم، ومسائل الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة، وتفاسير القرآن الكريم، كلها دونت في العصر العباسي.. في زمن المنصور وما بعده...!. 
لكن كتب التاريخ هذه تشير إلى أن هناك كتبا دوّنت قبل ذلك، في صدر الإسلام، والعصر الأموي. وأول من دوّن كتابا هو (عروة بن الزبير بن العوام) المتوفى سنة (94) للهجرة. بيد أن (أبو حنيفة الدينوري) يشير في كتابه (الأخبار الطوال) بأن التدوين ظهر في زمن معاوية. 
ويؤكد الأستاذ (حسين نصّار) في كتابه (نشأة التدوين التاريخي عند العرب) بأن عرب الجاهلي كانوا يعرفون التاريخ ويضرب مثلا بشخص (النضر بن الحارث) الذي كان يُحاجج النبي محمد بأن ما جاء من قصص في القرآن الكريم ما هي إلا (أساطير الأولين) وذلك لمعرفته بقصص الفرس والروم. وطبعا (حسين نصّار) اعتمد على (أبي حنيفة الدينوري) وعلى (أبي الحسن المسعودي) صاحب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) المتوفى في (346 هـ). 
فالمؤرخ (المسعودي) يروي عن معاوية بن أبي سفيان التالي: (إنه كان بعد أن يفرغ من عمله يستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها، وسياستها لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة. ثم يدخل فينام ثلث الليل، ثم يقوم فيحضر الدفاتر فيها سير الملوك وأخبارها، والحروب والمكايد، فيقرأ ذلك عليه غلمان مقربون، وقد وكلوا بحفظها وقراءتها) (مروج الذهب- ج2-52). وللأمانة، كي لا يتم الطعن بالرواية، أذكر بأن المسعودي من المؤرخين الشيعة الذين حوصروا من قبل الحنابلة.
وذكر (أبو حنيفة الدينوري) بأنه كُتبتْ في زمن معاوية أربعة كتب أشهرها كتاب لـ (زياد ابن أبيه)، وكان الكتاب محصورا في (مثالب العرب) لأن العرب كانت تعيّره بأنه لقيط كما يذكر (ابن النديم) في (الفهرست). وكذلك يأتي كتاب (التظافر والتناصر) لشخص اسمه (ابن دغفل البكري). والكتاب عن مجالس وسمر وليالي معاوية بن ابي سفيان. وكتاب (أخبار بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن) وكذلك ما يروى عن ابن عباس من أحاديث جُمعت في ما بعد.
وطبعا هذه المعلومات يوردها ابن النديم المعتزلي في كتابه (الفهرست). والمثبت بأن ابن النديم توفي في (384 هـ). يعني بما يقارب أربعة قرون بعد الهجرة!.
من الثابت تاريخيا بأن الدولة الأموية استمرت لأكثر من (91) عاما من العام (41 - 132) هجرية، وتوالى عليها 14 خليفة. والسؤال الذي يحضرني، لماذا لم يكتب الأمويون أية سيرة نبوية ولم يتم في زمنهم جمع الحديث؟ بل حصل ذلك في العصر العباسي، بينما هم الأقرب لظهور الدعوة وتربطهم علاقة مباشرة بأحداث تطور الدعوة الإسلامية وبناء الدولة في الإسلام؟.
لماذا لم تُكتب السيرة النبوية وهم يعلنون بأنهم خلفاء للرسول؟، ولم يتم جمع الحديث في هذه الفترة؟، بينما هم أقرب للروم وللسريان المهتمين بالتأليف التاريخي، ناهيك أنهم ترجموا كتب الكيمياء في زمن (خالد بن يزيد بن معاوية)، كما تأثروا باللاهوت المسيحي، بينما التهوا بكتابة الحكايات عن ليالي السمر لمعاوية بن أبي سفيان؟.
ثم لماذا لم تُكتب (سيرة نبوية) حينما انتصر العباسيون واتخذوا من (الكوفة) عاصمة في زمن أبي العباس السفاح، بينما كتب (ابن إسحاق) (المتوفى 151 هـ) أول سيرة نبوية في (بغداد) في زمن المنصور، إلى أن جاء ابن هشام (المتوفى 218 هـ) ليكتب سيرة أخرى معتمدا على سيرة ابن إسحاق المفقودة والتي وصلته أخبارها عبر شخص هو (زياد بن عبد الله الكباتي) المتوفى (183 هـ).
ثم، لماذا كانت أول كتب الحديث النبوي قد كُتبت في ما يقارب (250) سنة للهجرة وليس قبل ذلك؟، ناهيك أن أصحاب الكتب الصحاح: البخاري، مسلم، النسائي، ابن داوود، الترمذي، وابن ماجة كلهم من مواليد ما بعد 200 للهجرة؟.
هذا يثير السؤال: أترى أن النسخة المهيمنة تاريخيا على العالم الإسلامي هي نسخة الإسلام العباسي؟. 
ما هذا الفراغ التاريخي للفترة الأموية (91 عامًا) بحيث لا تتوفر فيه ومنه أية مخطوطة أو وثيقة تاريخية؟.
الفترة الأموية، فترة تتسم بعودة القبائل العربية وتقريب البداوة، والعصبية القبلية، التعصب القومي قبل دخول الأعاجم وتدخلهم في الدولة كما في العصر العباسي، فلماذا لم تظهر فيه أية ملامح للتدوين وحفظ التاريخ، ولم تُكتب فيه سيرة نبوية ولا جمع الحديث؟ ولماذا نجد معظم كتاب السيرة والتاريخ الإسلامي وأصحاب الكتب الصحاح والمذاهب الطائفية من الأعاجم؟.
كيف لنا أن نقرأ تاريخنا وهو بكل هذا الغموض؟ كيف لنا أن نتعامل بما يقارب قرن من الزمان من دون أي كتاب أو وثيقة كُتبت خلاله؟، وإن كل ما نعرفه عنه كُتب بعد عشرات ومئات السنين.
كيف لنا أن نفهم غياب التدوين والفكر بينما في العصر الأموي تأسس علم الكلام، وفي نهايته ظهر المعتزلة؟.
كيف نفهم غياب التدوين في عصر تحولت الاحتجاجات الشيعية والعلوية إلى عقيدة ومذهب على يدي الإمامين الباقر والصادق؟، وكيف نفهم صفة (باقر العلوم) للإمام الخامس إذا لم تكن هناك كتب وتدوين؟. ما هذا الغموض الذي يكتنف تاريخ الإسلام؟
هذه مجرد خاطرة لا أكثر...!.