لا أحد ينتبه حين نموت!

آراء 2022/03/29
...

  حارث رسمي الهيتي 
 
ونحن نقطع الطريق براً بين السليمانية وأربيل، كنا نتحدث أنا واصدقائي عن الكرد، عن تاريخهم وحقوقهم ونضالاتهم التي ارتبطت مع قيام الدولة العراقية الحديثة، وقبل ذلك حتى، أوقفنا صديقنا الذي كنا بمعيته على جبلٍ رهيب بالقرب من دوكان، هذا الجبل جعل للحديث طعماً مختلفاً 
وموجعاً.
قبلها بأيام كنا نحضر مؤتمراً استمعنا من خلاله لضحايا القصف العشوائي، الذي تتعرض له كردستان بين وآخر. في المؤتمر هذا صعدت (بيه من) المنصة بمساعدة أحد أفراد أسرتها، وبصعوبة بالغة وواضحة استقرت على الكرسي المخصص لها، حدثتنا الشابة ذات الثلاثين عاماً عن حزيران 2020، عن اسرتها الصغيرة التي تعيش في قرية من قرى السليمانية، عن حياتها البسيطة قبل أن تتعرض للقصف، (بيه من) أم لطفلين فقدت إحدى ساقيها جراء ذلك القصف، حدثتنا عن استقرار الشظايا في رؤوس أطفالها الى اليوم، كانت تتحدث عن العناية الطبية التي لم تكن بمستوى الحدث الرهيب.
كاكا علي ضحية أخرى لقصفٍ  كانت قد تعرضت له أحدى قرى سليمانية ايضاً في تموز 2019، تحدث عن حياته في الحقل باعتباره مزارعاً قبل أن يجعله القصف انساناً عاجزاً ضريراً وفاقداً لساقه، أخبرنا عن زيتون أخته التي فقدت حياتها. أنهى حديثه بدعوة الى الحكومات في المنطقة لإيقاف القصف وانهاء هذا الملف.
قبل أيام نقلت الأخبار وفاة شخصين هناك، ولكن هذه المرة ليس نتيجة لقصفٍ صاروخي، بل ماتوا وهم يقفون في طوابير لساعات طويلة ومتأخرة لاستلام رواتبهم بعد أن تأخرت لأكثر من خمسين يوماً.
كل ما يجري هو سياسة، الفعل سياسة، ورد الفعل كذلك، سياسة غير قائمة على أساس مصلحة بسطاء الناس لذلك لا أحد ينتبه لــــ (بيه من) ولا (كاكا علي)، الصراعات المستمرة بين الحكومات – مركزية ومحلية- لم تأخذ من قضية أن يموت إنسان وهو يقف في طابور لاستلام راتبه حافزاً لحلحة المشكلات، (بيه من) من الممكن أن تكون شبيهتها في البصرة، وكاكا علي في الأنبار. القصة في العراق هو أن تموت الناس لأنها تريد 
أن تعيش.