المسرح ما بين المحاصصة والتحريض

ثقافة 2022/03/30
...

 د. علاء كريم
ليس هناك أخطر من منهج «المحاصصة» على وحدة المجتمع ومستقبل الجميع، لكونها تشكل علامة من علامات التخلف، ومؤشرا خطيرا على مرض اجتماعي يصعب علاجه، خاصة إذا دبَّ في النخب الثقافية والفنية، المسرح أنموذجا.
 
يستحضر المسرح بنحو عام الحدث السياسي والاجتماعي عبر تنظيم الفرجة، وهذا ما يؤكد على أنه يغير واقع المدن وامتدادها، عبر علاقته بالتاريخ والعنف والخطاب الإنساني والإقناع. على ضوء هذه المفاهيم، تحول المسرح إلى مساحة تخضع لعلاقات قد تكون دخيلة على هذا العلم، لكنها أصبحت واقع حال على الجميع تقبله، رغم أن المسرح اليوم أحدث طفرات إبداعية على مستوى عالمي وعربي وأيضا محلي، وأظهر تنظيرات تؤكد على ضرورة تجاوز التقليدية، والتوجه إلى ما يفكر به الجمهور الذي هو من يستطيع أن يؤسس جوهر ومظهر المسارح العامة والخاصة، وضمنها مسارح تؤسس لسياسة ثقافية تعمل على خلق مسرح يهتم بـ «المصلحة عامة».
هنا وعلى ضوء ما تقدمت به يتجسد مفهوم المحاصصة والتي تهدف عبر مستوياتها المختلفة الى الحصول على مناصب وأمكنة تلامس ما تفكر به المؤسسات الحكومية، ايضا لتكون معياراً جديداً يعتمد المنصب الذي يتحكم بإدارة المهرجانات والملتقيات المسرحية، وفق مبدأ التوافق في توزيع وتقاسم لجان المهرجانات لأجل إرضاء المسؤولين من جانب، والحفاظ على مناصبهم من جانب آخر. 
 وهذا قد يخالف مفاهيم المسرح الحقيقية والتي تعد اندماج الفن المسرحي في الحياة الاجتماعية، حركة تعمل على إيجاد واكتشاف مسرح شعبي يتوجه إلى عامة الناس، كما في المسرح السياسي والذي تبلورت أشكاله بـ «فرجات حية»، انعكست أبعادها في العلاقة الجديدة مع الجمهور، والمعتمد في كل من روسيا وفرنسا وألمانيا وأميركا وغيرها من الدول الغربية، هدف هذه العروض المسرحية «التحريض» والاحتجاج على الممارسات الحكومية ضد الطبقات العاملة أو ضد عامة الناس، وهذا ظهر في روسيا بعد ثورة أكتوبر، إذ كانت غايته أولا ترويج مبادئ الماركسية اللينينية، ثم تحول بعد ذلك إلى مسرح احتجاجي تقدم عروضه، في الغالب، أمام جمهور عمالي. وكذلك الأمر في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ كانت هذه العروض تعمل على إدانة الحرب وما ترتب عنها من أوضاع مزرية بالنسبة للمواطنين.
كما أحدثت الأزمة الاقتصادية في أميركا سنة (1929) الإسراع بمعالجة هذه الإشكالية او حل الأزمة، بوساطة أعمال فنية تخترق قواعد الفرجة التقليدية، وتوظف أماكن مفتوحة تساعد على مشاركة الجمهور، وشعوره بالقضايا السياسة الكبرى، اعتمادا على أشكال أخرى كمسرح الجريدة الحية الذي ينحصر في مسرحة الأخبار الواردة في الصحف، والتعليق عليها ومناقشتها بمساهمة الجمهور، وحفلات الأغاني الجماعية ومسرح الكابري... الخ، ومن هؤلاء المسرحيون: (كليفور أودتس- أبتون سنكلير - وجوزيف لوزي - وإليا كزان، وغيرهم).
وما قدم عالمياً على مدى أزمنة، نجده اليوم بشكل محدث يقوم على الاحتجاج، رغم أن أغلب فرق هذا المسرح تعتمد في عملها إنتاجاً جماعياً ذاتياً. إذ قدمت في الستينات والسبعينات أعمالاً تعكس بوضوح إدانتها للمؤسسات الحكومية ولمن يمثلها بصفة رسمية، كما في أوروبا وأميركا.
نلاحظ هنا اختلاف الثقافة من بلد الى آخر، هناك من يوظف جهده لخدمة المؤسسات الحكومية بعيدا عن قراءة الواقع وتحولاته الحياتية، وبشكل تقليدي مكرر لا يجدي نفعا، وهناك من يعمل على تقديم عروض وإقامة مهرجانات لمسرح تحريضي بطابعه السياسي، يهدف الى معالجة الأزمات وتحول الفرجة الى مشاهد تستمد موضوعاتها من الواقع اليومي.
كيف لنا أن نتجاوز إشكالية هذه المحاصصة في المسرح؟ والتي تعتمد مبدأ المشاركة على ضوء المراكز والمناصب الفئوية، كما تسعى إلى تغييب بقية التكوينات الثقافية والفنية، ليكون هذا الأمر مشكلة حقيقة تنعكس سلباً على بناء واكتشاف تجارب لها خصوصية تلامس تحولات الزمن المعاصر، والتعرف على الأبعاد الفكرية الحديثة في المجتمعات الإنسانية وما حققته من نجاحات وأدلة عقلية يستند إليها عالمياً.