محنة الأواني المُسْتَطْرَقَة

آراء 2022/03/30
...

  رعد أطياف
 
عندما يبادرنا أحدهم لتصويب أخطائنا نشعر بالضيق وعدم الرضا. وكثيراً ما نشعر بالاستياء والحساسية، وحينما نراجع أنفسنا نكتشف عن هشاشتها وتفاهتها في مثل هذه المواقف. شعورنا بأهمية الذات يقودنا إلى ذلك الكبرياء والجبروت 
الفارغ. 
ولو كنّا صادقين لما تضايقنا، إذ يكفي المضيّ بآرائنا دون إضافات نفسية مؤلمة. وكثيراً ما نتوهم ونترجم هذا الكبرياء الفارغ على أنه "عناد"، حيث يغذي هذا الشعور فينا سيلاً متدفقاً من الأوهام، من قبيل الشعور بقوة الشخصية وعدم مسخها بالآخرين، والحقيقة ما هي إلّا مداراة لضعفنا وقلّة حيلتنا، خصوصاً في المواقف الحرجة التي تتبدّى فيها كياناتنا الفارغة. 
للعناد مزيّتان ووجهان كما العُملة المعدنية: الأولى طفولية،  نعاند من أجل العناد والجهل بحقائق الأمور، مثل الطفل حينما نمنعه من السكّين سيعاند في إمساكها ويصرخ غاضباً علينا. والثانية يتحول العناد إلى قوة إرادة وشعور بالمسؤولية، واتخاذ قرارات حكيمة نابعة من التجربة. وإذا سلّمنا جدلاً بوجود نوعين من الكبرياء: كبرياء فارغ، وآخر مملوء باعتبار أن بعض الأفراد يدفعهم الامتلاء والرصانة المعرفية بنوع من الاعتداد بالذات، ما يقودهم إلى الشعور بالتميّز عن 
الآخرين. 
وعلى الرغم من الصورة الكريهة لكلا النوعين من الكبرياء، فقد نجد عذراً، ولو على مضض لذلك "الرصين" و"المملوء"، فلربما يأتي اليوم الذي يكاشف ذاته، ويكتشف أن المعرفة ما لم توصلنا إلى جادة التواضع فهي في أحسن حالتها صورة قاتمة لتضخم الذات. 
إن الممتلئين معرفيًا (رغم قلّتهم) ربما سيعثرون يوماً ما على خطوط للهرب من تسويلات الأنا، وينتصر التواضع في نهاية المطاف، فإن لم تكن المعرفة مقدمة للتواضع ومحبة الخلق فماذا تكون يا ترى؟ هذا من جهة الممتلئين، لكن ما هو حال "الأواني المستطرقة"؟ أظنها معضلة بشرية ما زالت قيد البحث والتحليل؛ فرغم الشاهد الداخلي الذي يشير لنا بوضوح ويميز ما هو ضار وما هو نافع على الصعيد النفسي، لكننا نكابر في معارضة هذا 
الشاهد. 
بمعنى، أننا، مثلاً، ندرك أن الكبرياء قبيح ومؤلم لكننا نصرّ على هذه الرذيلة.
سألت نفسي ذات مرّة: لماذا أنا عنيد وبذات الوقت كسول، أيعقل أن يكون العنيد كسولاً؟ ثم اكتشفت أن وجود الكسل مع العناد يضعني في تناقض كبير، إذ مع تحول العناد إلى قوة إرادة يتلاشى الكسل، فاتضح لي، في ما بعد، صبيانيتي المفرطة وجهلي الكبير. 
وفي اللحظة التي اكتشفت فيها هذه الحقيقة بلغت سن الرشد وأدركت، نظرياً على الأقل، أن الكبرياء وهم من أوهام الذات.