رخاوة القانون

آراء 2022/03/30
...

  ميادة سفر
يقاس تطور وتحضر الدول والمجتمعات بمدى تطبيق القانون والتقيد به والتزام شعوبها واحترامها له، وهذا ما نلاحظه بشكل واضح في الدول الغربية حيث يعتبر القانون المرجعية العليا التي يحتكم إليها الجميع، ولا أحد يعلو فوقه مهما علت مرتبه أو بلغت مكانته في الدولة. 
 
في حين لا تنطلي تلك الشعارات من قبيل "الجميع سواسية" و "لا أحد فوق القانون" على المواطن في بلادنا، فهو اختبر عبر الزمن وأدرك أن ثمة فئة لا يقربها أحد ويقف أمامها القانون عاجزاً 
مشلولاً.
تواجه القوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية في بلادنا استهتاراً واستخفافاً من قبل طرفيها المواطن والسلطة، كقانون المرور على سبيل المثال أو القوانين الخاصة بالشؤون البلدية والخدمات العامة تسجل أرقاماً قياسية بمدى التحايل عليها والتعدي والانتهاك الذي تتعرض له، فيها ما فيها من رخاوة في التطبيق وقلة الاحترام من قبل 
الطرفين.
المواطن الذي يرتكب مخالفة سير مثلاً يسارع لدفع رشوة قد تعادل قيمة المخالفة، فقط كي لا يقال "كتب بحقه ضبط مخالفة"، بل ويتباهى بفعلته حتى أنّ البعض يعتبر أنه قام بعمل بطولي، أما عن مخالفات البناء حدث ولا حرج، على الرغم من الكوارث المتعددة الجوانب التي تسببها، من بشرية نظراً لتهدم البناء المخالف، أو كوارث بصرية وبيئية تشوه المنظر العمراني لمدننا، مازالت ترتكب وبكثرة، ألم ينم أحدنا وأمام بيته فسحة خاوية ليستيقظ في اليوم التالي على بناء متعدد الطوابق؟  
هذا غيض من فيض العبث بالقوانين  وانهاكها من قبل المواطن الذي وضعت لتنظم حياته وتحافظ عليها، وتواطئ من القائمين على السلطة وتحت 
أنظارهم.
لا يتردد مواطننا من رمي "الزبالة" في الشوارع والحاوية تبعد خطوات عنه، ضارباً عرض الحائط بقوانين النظافة والحفاظ على البيئة، وهو ذاته لو قدر له السفر إلى أي بلد أوروبي نراه يلتزم بالقوانين مباشرة ورغماً عنه، ما السبب؟ إنها العقوبات التي ستفرض عليه فيما لو 
خالفها. إن الرخاوة التي تعتري تطبيق القوانين في بلادنا تعود إلى أسباب كثيرة من بينها وربما أهمها انتشار الرشوة والفساد اللذين يشوهان المجتمع ويفسحان المجال أمام مزيد من الانتهاكات وعدم احترام القوانين، فضلاً عن عدم تشدد المشرع عند سن القوانين بالعقوبات، والتهاون في تطبيقه، وما زالت بعض القوانين المدنية تعامل معاملة من الدرجة الثانية من قبل المواطن مقارنة بالقوانين الجنائية والعسكرية والأمنية التي يتجنب خرقها بسبب شدة عقوباتها وصعوبة التملص 
منها.
مشكلتنا تمكن بأن المواطن في بلادنا يعتقد بل ترسخ في عقله أن الالتزام بالقانون شكل من أشكال الضعف، لذا تراه يحاول جاهداً التحايل عليه وانتهاكه، وفي الوقت نفسه يتجنب التصادم مع السلطة، فهو يلتزم بالنظام ما دام مراقباً فإن زالت المراقبة عاد إلى اختراق القوانين والاعتداء عليها، على سبيل المثال: 
يخفف أغلب السائقين من سرعتهم  ويقفون  على الإشارة الحمراء مادام شرطي المرور واقفاً، وهذا حال الكثير من القوانين التي غايتها تنظيم المجتمع والحفاظ على أرواح وأمان المواطنين.
لم تصل الدول الغربية إلى ما وصلت إليه من احترام للقوانين بين ليلة وضحاها، بل تطلب الأمر سنوات من التربية وغرس القيم الأخلاقية وتأهيل المجتمع، فضلاً عن إرادة حكومات تلك الدول لتحقيق العدالة والمساواة بين كل مواطنيها دون تفرقة، وإطلاق حرية الصحافة كسلطة أساسية مهمتها تسليط الضوء على المخالفات وفضح المخالفين أياً كانوا، دون أن يخشى 
ما نفتقده كثيراً في بلادنا حيث لا بدّ من إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة بما تمثله من سلطة القانون، علنّا نصل إلى يوم لا اعتداء فيه على القانون ويطبق شعار "القانون يعلو ولا يعلى عليه".