ضحايا يتقربون بالفاسدين إلى الله!

آراء 2022/03/30
...

  علي إبراهيم الياسري
 
الأحزاب والجهات السياسية الفاسدة ليست برموزها، وليست بمرجعياتها الدينية والفكرية فحسب، لا أبداً. ربما كان ذلك حين كانت مجرد نظرية خارج الأسوار، لكنها ما إن أمسكت زمام السلطة حتى تحوّلت إلى مجموعات غائرة في نسيج الحياة ككل؛ بل هي جزء لا يخفى على أحد من تفكير الناس، وموجّه رئيس لتنميط المجتمع وزجه في قضايا وثيمات يصعب الخلاص منها(لا سبيل للخلاص إلا بها كما يعتقد معتنقوها)، زد على ذلك أن سلوك الفساد السياسي تحوّل إلى سلوك مضمر لدى كثير من أعدائه ومناوئيه. 
تتلخص حلول مشكلة الفساد السياسي والإداري لدى بعض المتفائلين بهذه البساطة: "هناك فاسدون إنْ حوكموا تنتهي مشكلات البلد"، لكن المسكوت عنه أدهى وأمرّ، فرق كبير بين المؤسسة الفاسدة والفساد الذي يتحوّل إلى مؤسسة، وبين مواجهة الفاسد ومواجهة طبقات اجتماعية مغلوب على أمرها فكرياً تتقرب بالفاسدين إلى الله، هذه المواجهة التي ينبغي أن تكون بمعنى مكاشفة ومد يد إنقاذ  بسبل منهجية وسلمية مقرونة بإعطاء الناس حقوقهم، وتنبيههم لا بالشعار بل بالمكتسبات وتغيير الحال، إلى أن الحياة تبدو بخير حين يتم التخلص من أضدادها. 
• ما أراه في مواقع التواصل، محيّر وغير مدروس، فهناك من يحارب الأحزاب الفاسدة علانية لكنه يحارب  كل شعاراتها أيضا، وهذا كارثي، فأغلب هذه الشعارات هي شعارات دينية من متعلقات ذاكرة المجتمع التاريخية، وهذه نقطة يتم استغلالها عكسيا، قد تبدو بعض العبارات رائجة في مرحليتها لكنها على المدى الطويل تسبب الشلل، فـ (بسم الدين باگونا الحرامية) هذا الشعار الذي لا شك في صحته له قوة مرونة عالية سرعان ما يرتد إلى ذاكرة الناس بمعنى عكسي من قبيل : إن هذا الذي ينشد التغيير يريد تغيير معتقدات الناس ويا حبذا مقاطع طويلة من تاريخ الذاكرة.
هناك شعارات صادقة، لكن يسهل استغلالها، والخطاب -كل خطاب- يحتمل التزويق بل يحتمل مناقضة معناه الأساسي. 
• على مر سنوات تم خلط الدين السياسي بالدين الفردي، ليكونا عجينة يصعب على البسطاء تمييز مكوناتها وهم يلوكونها خبزاً فيه من القداسة ما فيه. 
الأمر الذي جعل الفاسدين يربحون جولات كثيرة من موضع هم أقرب فيه إلى الخسارة، هناك أخطاء فادحة ذكرنا بعضها، ارتكبها مناوئو الفساد، قد لا تتعلق بالنيات والضمائر، لكنها تشل بلدا كاملا، وقد تكون أخطاء صحيحة جدا لكنها تبقى أخطاء، فلا منطقَ ولا حق يصمد أمام مزاج الشعوب وطرق تفكيرها، من يعتقد ويروم تغيير أفكار اجتماعية نحو الأفضل عليه أن يكون حذرا، فالمجتمعات لها مزاج  جمعي مختلف أحيانا عن وعي أفرادها، ما يتشكل في الإطار الجمعي قد يكون حاسما ولحظويا، وما يتشكل في الذات بطيء وراسخ وينبغي أن لا يكون مزاجا طارئا بل لا ينبغي أن يكون "مزاجا" بالمعنى الشائع للكلمة. 
 • فرق كبير بين رهان "دعاة الخلاص من الفساد" أياً كانوا على مزاج المجتمع (الذي يتغير بلحظة) ورهانهم على وعيه المطبوع والمطوّع، أما استنادهم  إلى العاطفة فعلى طاقاته المبثوثة وشحناته التي تبعث الحماس، فإن مراده زائل، خصوصا حين يجابه بقوى صلدة تتمثل العقيدة والعواطف سلاحا، وتسعى بكل وسائلها لاكتساب أعداء نوعيين، لأنها تعيش على فكرة العدو.