الحلم الشيعي في السلطة

آراء 2022/03/30
...

  علي المرهج
أثناء الحملة البريطانية على العراق حمل الشيعة راية الذود عن (بيضة الإسلام) التي كانت تمثلها الدولة العثمانية آنذاك رغم تهميشها لهم، فكانت فتوى الإمام الشيرازي آنذاك بمثابة الاعلان عن رفض الشيعة لركوب موجة التغيير الجديدة، لأنها تمثل تأييداً للصليبيين وتكريساً لهيمنتهم، فكان الشيعة من أشد المعارضين لتواجدهم في أرض المسلمين.
 
 وبعد أن تمكن البريطانيون من احتلال العراق ولأنهم يعرفون موقف الشيعة منهم سلفاً، نجدهم أقرب للقبول بتقريب السنة الذين لم يظهروا كبير عداء لهم، فصار الشيعة كما يرغبون دائماً هم الهامش و(اليسار) الذي يُمثل خط المُعارضة، أما السنة فقد تمكنوا من ترتيب علاقتهم مع البريطانيين، فصاروا مركزاً بحكم رغبتهم واتقانهم للعمل فيه تاريخياً، فهم تاريخياً متن السياسة ومركزها ويمينها.
استمر الحال في إدارة الدولة العراقية، الشيعة هم الهامش، والسنة هُم المتن والمركز، وبعد الثورة الإسلامية في إيران بدأ (الفاعل السياسي) في العراق يستشعر خطر تهديد الهامش لضمان وجوده في المركز، فبدأ يرسم الخطط تلو الخطط للعمل على إدامة بقاء الهامش هامشاً، فحاول قمع المعارضين في العلن والسر ولم يكتف، فوجد في الحرب سياسة ذكية لديمومة التهميش، ولكن الروح الثورية التي نشطت بفضل الثورة الإيرانية التي داعبت مخيال الروح الجمعي للشيعة في كل العالم قد طالت شيعة العراق الذين يحلمون بخروج الإمام (المهدي) الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً، والثورة في إيران هي تمهيد لظهور الإمام الحُجة!.
فطال ما طال الشيعة من تنكيل وسجن وتقتيل، وانتهت الحرب، ولكن الحُلم الشيعي بتأسيس دولة العدل على يدي الإمام الحُجة لم ينته!.
وبعد مُدة ليست بالطويلة انتفض شيعة العراق في ما سُميَ بالانتفاضة الشعبانية التي يحمل أصحابها الرؤية ذاتها والحُلم بالخلاص من دولة الاستبداد والاستعباد لتحقيق العدل في البلاد بثورة إسلامية، ولكن بمعونة خارجية وسماح أميركي لطائرات النظام بالقصف تمكنت قوات النظام المسلحة من القضاء على الانتفاضة، فبقي الهامش هامشاً والمركز مركزاً، ولم يتغير ميزان المعادلة التقليدية في الصراع بين اليسار واليمين، فلم يتحول اليسار إلى يمين، والعكس صحيح.
بعد أن مر العديد من السنين، وتبدلت القناعة الأميركية بفعل تأثير قوى المعارضة الكردية والشيعية ولقناعة أميركا بأن نظام صدام صار خطراً يُهدد أمنها القومي، ويهدد باقي شعوب المنطقة اتخذت قرار اسقاطه، وقد تم هذا الأمر عام 2003، ولم يكن في المُعارضة سوى القلة القليلة من أهل السنة،  فكان خيار الأميركان تأسيس مجلس للحُكم على أساس نسب المكونات، والشيعة هم المكون الأكثر، فكان تمثيلهم في هذا المجلس هو الأكبر.
ويبدو أنهم استفادوا من الدرس، فلم يقبلوا أن يخسروا تواجدهم في صناعة القرار هذه المرة بعد أن اتعظوا من الدرس ابان الحُكم البريطاني، وهنا بدأ ميزان المُعادلة التقليدية للحُكم يختل في العراق، فتحول الهامش ليكون مركزاً، واليسار إلى يمين، والمركز صار هامشاً، واليمين صار يساراً، فبعد أن كان الشيعة مُعارضة على طول التاريخ، صاروا هم السلطة، وبعد أن كان السُنة سلطة على طول التاريخ صاروا هُم المعارضة، إنها لعبة تبادل الأدوار بين الهامش والمركز.
بعد 2003 تحولت مظلومية الشيعة وظلامتهم من عنوان للدفاع عن المهمشين والمستضعفين إلى عنوان لتبرير أفعال السلطة بطابعها المحافظ، فبعد أن كانوا هم والسلطة في تناقض أو تضاد صاروا وهي أي السلطة صنوين لا يفترقان، وكل ناقد لسلطتهم يتهمونه بشتى التُهم!.
إن مشكلة ساسة الشيعة في إدارة الدولة إنما تكمن في التعارض بين متبناهم الغيبي الذي يقتضي تغييب (الواقع) = (المصالح) لصالح (المثال) = (المبادئ)، فدولتهم جمهورية مُثلى بتعبير أفلاطوني، أو مدينة فاضلة بتعبير الفارابي وفق المتبنى العقائدي، والدولة (الواقع) ممارسة وتبدل في الآراء على قاعدة (لا يوجد عدو دائم، ولا صديق دائم، إنما الدائم هي (المصالح)، لذا حار القادة الشيعة بين متبناهم العقائدي ومقتضيات إدارة الدولة لا وفق سياسة الإمام علي (ع)، إما أن تكون مع الحق أو مع الباطل، وتلك دولة المثال (المتمنى)، ليكتشفوا أن إدارة الدولة في المعارضة تقتضي التنظير وفق المثال، ولكن إدارة السلطة في الواقع تقتضي إدارة الدولة وفق المُتغير.
لقد توصل ساسة الشيعة إلى أن الرؤية اللاتاريخية في الحُكم إنما هي ضرب من ضروب العيش في عوالم الحُلم، لذا نجد أغلبهم يستغلون فضاء الحُلم هذا عبر تفعيل المخيال الشيعي العام لديمومة الشعور بالمظلومية، فعملوا على تدعيم وتشجيع التعبير الطقوسي والشعائري لا لأنهم أدركوا مقصدية التضحية وقيمة الإصلاح الحقيقي في أس هذه المظلومية ألا وهو القضية العقائدية والمذهبية في محاولة منهم لتوظيفها لصالح استمرارية بقائهم في السلطة.