ماذا لو وقع ظلمٌ أو حيفٌ على موظف الدولة؟

ريبورتاج 2022/03/30
...

 علي غني
قد يتعرض موظف الدولة أثناء ممارسته الوظيفة إلى ظلم أو حيف من مرؤوسه، أو زميل له في الدائرة، أو اعتداء من وزيره، أو موقف محرج من مراجع لدائرته، ماذا يفعل إذا لم ينصفه مديره المباشر؟، وربما يرتب على عمله الذي يعتقد الموظف أنه لا تشوبه شائبة عقوبة إدارية قاسية من دون مبرر، فماذا يفعل الموظف لاسترداد حقه وتوضيح موقفه الذي يعتقده صحيحاً؟، و إلى أين يلجأ؟، ومن ينصفه؟، وهو الضعيف في غابة من الأقوياء، وهل نحن نطبق القوانين أم التعليمات؟، ومن يضمن الأمان والعدالة عندما تكون الشكوى على شخصية مؤثرة، كأن يكون الوزير أو المدير العام في الدائرة؟.
 
فحص نفسي
قد يتعجب البعض حين تطلب إحدى الموظفات التي لديها شهادة ماجستير تخطيط ستراتيجي من ألمانيا والتي تعمل بكهرباء الكرخ، وهي المهندسة أنوار حسين الوزان، فحصاً نفسياً لمن يتصدى للإدارة وله خبرة، وليس لديه تطرف أو ميل لجهة حزبية، وهذا ما معمول به في جميع أنحاء العالم، لكننا في العراق لدينا مجاملة كبيرة في إسناد المناصب العليا في الدائرة، لذلك ترى الفساد والغبن وعدم تحقيق العدالة، وكثرة القيل والقال، فلمن أشتكي؟ (والكلام للمهندسة الوزان)، إذا كان مدير الدائرة غير متصالح مع نفسه ومع الآخرين، لأنه يشعر بأن لديه دعماً إدارياً، وهو في أمان من المساءلة.
أنا أشعر والعديد من زميلاتي بأن هناك غبناً كبيراً عند العديد من موظفي الدولة، لأن هناك علاقات مصالح بين المسؤولين الكبار، فغالباً ما يدفعنا الخوف والخجل للسكوت.
 
الاتجاه للوزير
وأين يذهب الذي يتعرض لمشكلة في دائرته؟، أنا في رأيي يجب أن يذهب إلى موظفين لديهم علاقات وطيدة مع المسؤولين، أو الاتجاه للوزير، فبعض الوزراء يستجيبون، أو تستجيب دوائرهم القانونية، وقد تتهمني بالمبالغة، إذا ذهبت بعيداً في تفسيراتي لما يحدث في مؤسساتنا، إذا قلت لك إن القانون الإداري أصبح يطبق على مزاجهم وحسب رغبتهم، في حين أن هناك ضوابط بإمكان الدوائر القانونية أن ترفع الغبن من دون حاجة لتدخل المسؤولين الكبار، وهذا حق تكفله الدولة للموظف، ولا تنسى أن الغبن جريمة، والتعدي على حقوق الموظف جريمة، لذلك علينا تعيين رؤساء دوائر يعرفون حقوق الآخرين، إن الغبن والإساءة المتعمدة للوظيفة والموظف يولدان عدم الإخلاص بالعمل، وعدم القدرة على العطاء، ويشعر الموظف أنه ليس في محل تقدير، وكيف تستردين حقك؟، هنا استرداد الحقوق قائم على العلاقات وليس التعليمات والضوابط والقانون، وأقول لك بصراحة متناهية، هنا في العراق كل نظيف وشريف متضرر، فليس هناك حماية للشرفاء!.
 
الحلول القانونيَّة
أنا لا أتفق مع الموظفين الذين يبحثون عن الحل العشائري لمشكلاتهم، لا سيما العاملون ببعض الدوائر، هذا ما قاله الحقوقي ثبات السوداني، فعلى الموظف الذي يقع عليه ظلم اللجوء للحلول القانونية والقضائية، وضمن المدد المحددة، وهذا هو الصحيح، وعليه أن يكتب التظلم خلال (30) يوماً، وإذا لم يتم الرد على التظلم عليه أن يقيم دعوى في محكمة القضاء الإداري خلال (30) يوماً من وقوع حالة التظلم.
 
الإدارة علم وفن
حملنا تساؤلاتنا إلى الخبير القانوني المحامي طارق المختار، الذي يحمل خبرة كبيرة عن نشأة القانون الإداري في العراق وتنظيمه، فقال: ابتداء لا بد من الإقرار بأن الإدارة علم وفن يجتمعان في شخص الإداري الناجح، وكما أن الإداري هو شخص قيادي في موقع عمله الوظيفي لذا ينبغي أن تكون له (كاريزما خاصة)، ومميزة وأن تكون له الكفاية العلمية والحكمة والفراسة لكي يكون مبدعاً في عمله وقادراً على توجيه طاقات العاملين معه نحو الأهداف المرسومة لنجاح العمل في الموقع الوظيفي، إضافة إلى قدراته على تفعيل اكتشاف المهارات والطاقات الكامنة لدى العاملين معه، لذا فإن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب من أول اهتمامات الإدارات العليا، إلا أنه يلاحظ وخاصة بعد عام ٢٠٠٣ عدم إيلاء إي اهتمام لما تقدم ذكره، فكثيراً ما تولى المسؤوليات الإدارية في القيادات العليا أو الوسطى أو الدنيا على أساس من المحسوبية والمنسوبية والجهوية والأسرية، ما أدى إلى تراجع مستوى أداء العمل الوظيفي وإنحداره بالشكل الذي انعكس سلباً على الموظفين والمواطنين على حد سواء، لذلك زادت حالات الإحباط لدى الموظفين وتقاعسهم عن أداء الواجبات المناطة إليهم، وكثيراً ما يتعرض الموضوع إلى الإجحاف والاستهانة من الإدارات الأعلى بسبب أو بدونه.
 
المسؤول الأعلى
وتابع المختار: هنا لا بد من الفصل بين الحالات التي يتعرض فيها الموظف إلى الاعتداء أو التنمر من قبل أحد زملاء العمل، وبين تعرض الموظف إلى إساءة في التعامل مع رؤسائه، ففي الحالة الأولى بإمكان الموظف الذي تعرض إلى تنمر أو اعتداء التقدم بشكوى إلى المسؤول الأعلى عبر سلسلة المراجع، وطلب تشكيل لجنة تحقيقية للوقوف على أسباب ومسببات الاعتداء، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المقصر، أما في الحالة الثانية التي يتعرض فيها الموظف إلى الإساءة أو التنمر من قبل المسؤول الأعلى، فالأمر أكثر صعوبة لأن المسؤول الأعلى غالباً ما يتمتع بالحماية من قبل الإدارة العليا، وماذا لو تعرض الموظف للإساءة من قبل رئيسه المباشر، فماذا يفعل؟، يمكنني أن أجيبك، فأقول لك: عليه تقديم الشكوى إلى المسؤول الأعلى أو الوزير المختص، لكن الملاحظ أنه غالباً ما يتخوف الموظف من هكذا إجراء بسبب اعتقاده بعدم جدوى الشكوى، وربما تتسبب بتعرضه للانتقام بوسائل متعددة واتخاذ إجراءات إدارية ضارة به، وسبق أن توكلت في حالة من هذا النوع، وكسبت القضية لصالح موكلتي.
 
التظلم أولاً
أما بخصوص السؤال عن جهة الشكوى التي يقدمها الموظف عند تعرضه للإجحاف أو الغبن أو الاعتداء فهنا لا بد من التمييز بين نوع الأثر الذي تركه التصرف غير القانوني والشكل الذي اتخذه ففي حال صدور أمر إداري لا يتمتع بالمشروعية بحق الموظف، فسبق أن تناولنا آلية الاعتراض على القرار الإداري، أما بخصوص القرارات التي رسم لها القانون طريقاً للاعتراض عبر التظلم، ابتداء فإن التظلم يعرض على  جهة الإدارة نفسها التي صدر القرار عنها، فتكون هنا هي الحكم والحاكم في الوقت ذاته، ونادراً ما تتراجع الإدارة عن قرارها الذي سبق وأن اتخذته اتجاه الموظف المعترض، ما يتوجب على الموظف بعد ذلك اللجوء إلى القضاء الإداري للاعتراض، أما في حال صدور قرار من القرارات التي لم يرسم القانون طريقاً للطعن فيها فقد فصلنا آلية الاعتراض بصدده، بتشكيل اللجان التحقيقية بحق الموظف المخالف لواجبات وظيفته، فقد تضمن آلية تشكيلها قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام وفي الكثير من الأحيان تتعرض هذه اللجان للضغوط من صاحب القرار، إذ إن تشكيل هذه اللجان يتم من موظفي الدائرة وليس من جهة خارجية، كما أن توصيات اللجان التحقيقية تتطلب المصادقة عليها من المسؤول الأعلى وهو الذي أمر بتشكيل اللجنة التحقيقية، وهذا لا يمنع من وجود لجان تحقيقية تتمتع بالحياد والنزاهة والمهنية، وهل توجد إحصائيات بعدد الموظفين الذين قدموا شكاوى على مرؤوسيهم، فأجاب: في الواقع لا توجد هنالك إحصائيات لعدد الشكاوى، إذ تنحصر تلك الإحصائيات بالدوائر القانونية في الوزارات والمؤسسات الحكومية والجهات غير المرتبطة بوزارة أو الهيئات
المستقلة.
 
جواز طلب النقل
أما السؤال الأخير حول أحقية الموظف بطلب النقل من دائرته إلى دائرة أخرى باختصاصه نفسه، فالمبدأ العام أجاز طلب الموظف، لكن هذا الجواز يصطدم باقتران موافقة رئيس الدائرة على طلب النقل، في ما إذا كان في التشكيل الإداري نفسه، أما طلب النقل من وزارة الى أخرى فالأمر أكثر صعوبة وتعقيداً كونه يتطلب موافقة وزيري الوزارتين المطلوب النقل منها والمطلوب النقل إليها، كما يتطلب موافقة وزارة المالية أحياناً.
 
القدرة والمهارة
ونوه الخبير المصرفي محمود آل جمعة المياحي إلى أن: في بلدان العالم يعد رأس المال البشري من أهم رؤوس الأموال الأخرى، لما له من قوة  وثبات وتحديات وأساس يمنحها  للبلد، وهنا يجب أن ننطلق من خطوة تقسيم رأس المال البشري على أساس القدرة والمهارة والكفاءة والخبرة، إضافة إلى الشهادة الأكاديمية التي تعتبر سُلم الوصول إلى بداية المشوار في الحياة العملية، وعلى أساسها يتحدد اتجاه عمل الفرد ومجال تخصصه، فأي نوع من الإجحاف والغبن والمساومة على حقوقه المشروعة (ويقصد الموظف أو العامل في القطاع الخاص) نتيجة التدليس والمراوغة والطبقية والفئوية والمذهبية والدينية والقرابة والنسب وغيرها من الأسباب التي تجعل صاحب المال ينظر بعين تغيب عنها الحقيقة، فمثلاً يقوم بترفيع من لا يستحق أو صرف علاوة أكثر من الباقين، أو يميز أحدهم بالايفادات والدورات والإجازات نتيجة المحسوبية والقرابة ودرجة الحب والكراهية التي يكنُها صاحب المال
لموظفيه.
 
الحوكمة المؤسساتية
وتابع المياحي : كل هذه الأسباب تجعل الموظف يشعر بالغبن والتدليس وتحمله ظنونه إلى عدم اعتبار المالك لوجوده ضمن الموظفين الكفوئين، وبالتالي تنعكس على أدائه وتقصيره في المهام المكلف بها، وهو ما يضر بإنتاجية العمل، فشعور الموظف بالغبن له آثار سلبية على عموم المؤسسة أو الدائرة أو المديرية أو الوزارة وعلى أي مرفق يتواجد فيه الموظفون، وقد ذهبت بعض المؤسسات الرصينة إلى وضع نظام الحوكمة المؤسساتية الواجبة التطبيق للحد من التصرفات غير المسؤولة لإدارات هذه المؤسسات، كما وضعت ضوابط للعلاوات والترقيات والدرجات الوظيفية، فضلاً عن تعليمات استحقاق الموظفين من الدورات والايفادات ومنح الإجازات وغيرها من الامتيازات، للتقليل من التعسف ضد الموظف وإثبات حقوقه المشروعة.